وهنا يقع التساؤل:
- هل من واجب المفسر أن يبحث عن مراد الله، أم يجب عليه أن يبحث عن الدلالة المستفادة من اللفظ؟
قد يقول قائل: ليس هناك تعارض بين القصدين، فالمفسر يبحث عن مراد الله من خلال الدلالة اللفظية، إذ لا يمكنه أن يكشف مراد الله إلا عن طريق الدلالة اللفظية، ولو تجاوز تلك الدلالة لوقع في خطأ جسيم، وانحرف عن خط الاستقامة، وتحكم في مراد الله بحسب هواه.
وأحيانا قد تقوده الدلالة اللفظية إلى معاني لا يمكن أن تكون من مراد الله، لوجود أدلة وقرائن ومرجحات تؤكد بطلان هذا الاستنتاج، وبخاصة إذا اصطدم هذا التفسير بمقاصد ثابتة للشريعة مستفادة من أدلة قاطعة.
وهنا يبرز دور المفسر، في توجيه الدلالة اللفظية لكي تنسجم مع التوجيهات القرآنية العامة، فلا يمكن أن يقع التناقض بين آية وأخرى، ولا يمكن أن يقع التصادم بين حكم وآخر، كما لا يمكن أن يقع التنافر بين توجيه وآخر، فالقرآن متكامل في توجيهاته، يؤكد بعضه البعض الآخر، وإذا ظهر التنافر والتباين بين آية وأخرى، فهذا التنافر دال على قصور في التفسير، ووقوف عند حدود الألفاظ، والألفاظ متعددة المعاني، والمعنى الأدق والأصح في تفسير الآية هو المعنى الذي يحقق ذلك التلاؤم والتكامل بين الآيات القرآنية.
وتبرز عظمة المفسر وموهبته في مثل هذه المواقف الصعبة، حيث يقف عمالقة المفسرين بشجاعة يتخطون حواجز الألفاظ الضيقة باحثين عن المعنى الأدق والأصح الذي يؤكد الانسجام والتوافق في التوجيه القرآني، وهم في سعيهم هذا يعتمدون على أدوات التفسير اللغوية والعقلية والنظرية لكي يوجهوا النص القرآني نحو غايته المرجوة التي يدل عليها النسق القرآني العام، وتؤكدها مقاصد واضحة للشريعة الإسلامية.
وليست مهمة المفسر قاصرة على شرح المفردات وبيان دلالاتها. فهذا عمل