ورد على من قال بأن التفسير والتأويل واحد بحسب عرف الاستعمال، وقال:
والصحيح تغايرهما (١)، ونقل عن الراغب قوله: التفسير أعم من التأويل، وأكثر استعماله في الألفاظ، وأكثر استعمال التأويل في المعاني، وأكثر ما يستعمل التأويل في الكتب الإلهية، وأكثر ما يستعمل التفسير في معاني مفردات الألفاظ.
ولفظة التأويل مأخوذة في اللغة من الأول، يقال آل الأمر إلى كذا أي صار إليه، وأصله من المآل وهو العاقبة والمصير، يقال: أوّلته فآل أي: صرفته فانصرف، وكأن التأويل يعني صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني (٢).
وجاءت لفظة التأويل في القرآن في قوله تعالى: ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [الكهف: ٨٢]، وقوله: يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [الأعراف: ٥٣]، وقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: ٧]، وقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: ٥٩].
واستعملت لفظة التأويل في مواطن كثيرة في القرآن الكريم في معرض تأويل الأحلام وتأويل الأحاديث، وكأن هذه الاستعمالات للفظة التأويل تفيد أن التأويل أمر
يختص بتفسير الأشياء الغيبية مما لا يتعلق بالألفاظ والمفردات اللغوية، فالتأويل هو تفسير إشارات واستلهام معاني من مفردات وحوادث ووقائع مما لا يخضع للمعايير التفسيرية المحكمة التي لا يملك المفسر فيها حق الخروج عن مقتضى الدلالات اللغوية.
ويمكننا أن نلاحظ أن الفرق بين التفسير والتأويل كما هو واضح في الاستعمالات اللغوية كبير، وقد استعملت لفظة التأويل حيث لا يجوز أن تستعمل لفظة التفسير، فالتفسير توضيح وبيان لمعاني مفردات، ويخضع المفسر لضوابط لغوية، بحيث لا يملك المفسر أن يخرج عن إطار الدلالة اللغوية، بخلاف

(١) انظر البرهان، ج ٢، ص ١٤٩.
(٢) انظر البرهان، ج ٢، ص ١٤٨.


الصفحة التالية
Icon