التفسير، وليس الأمر كذلك فيما تدل عليه كلمة التأويل، فالتأويل أدق وأعمق، ويحتاج لموهبة خاصة وقدرة متميزة، وإذا كان العقل هو أداة المفسر واللغة هي وسيلته، فإن القلب هو أداة التأويل وهو أداة الفهم، وهو موطن النقاء والصفاء في الإنسان، وليس المراد بالقلب ذلك الجزء النابض بالحياة، وإنما المراد به الخصوصية الإنسانية التي أناط بها الله تعالى مهمة الفقه والفهم، فإذا ختم الله على قلب الإنسان أصبح عاجزا عن الفهم، وعن إدراك المراد، والقلب المعمر بالتقوى والصلاح، يملك من أدوات
الفهم وإمكاناته ما لا يملكه القلب الغافل المثقل بالأوساخ والحجب والستائر التي تحجب القلب عن إدراك الحقائق، فيدرك منها ما لا ينفعه ولا يضره، وقد يقوده عقله المحجوب بالغفلة إلى ضلال في الفهم وسقم في التأويل، فلا يحسن الفهم، ولا تستقيم رؤيته.
وليست هناك في موطن التفسير والتأويل ألفاظ ومعاني ينفصل بعضها عن البعض الآخر، بحيث يختص التفسير بألفاظها والتأويل بمعانيها، وإنما هناك أدوات للفهم، ووسائل للتعبير وهي ضرورية للفهم، فإذا استوعب المفسر كل أدوات التفسير الضرورية كمعرفة معاني المفردات وكل ما يحيط بالنص المراد تفسيره من بيان وتوضيح أدرك بخصوصيته الإنسانية النقية الصافية «حقيقة المراد» واستقرت في نفسه بطريقة تلقائية غير متكلفة وبانت له واضحة متيقنة وكأنه يراها بحواسه.
واستعمل القرآن الكريم لفظة «القلب» كثيرا، والقلب في القرآن ليس هو القلب الصنوبري النابض، وإنما هو الخصوصية الإنسانية. فالقلب هو موطن الإنابة وموطن الذكرى وموطن الإثم وموطن الاطمئنان وموطن الهداية وموطن الغفلة وموطن المرض وموطن الختم وموطن الرعب وموطن الفقه، وموطن الزيغ وموطن الاشمئزاز وموطن الرحمة وموطن القسوة وموطن التآلف وموطن الطهر (١)، وكرر القرآن استعمال لفظة المرض في معرض وصفه للقلوب الغافلة القاسية، وعند ما يطبع الله على قلوب بعض الناس فإنهم لا يفقهون.