الأمر الثاني: عدم استناده إلى دليل من لغة أو سند من قرآن أو حديث، وإذا افتقد التأويل سنده اللغوي والشرعي وثبت ضرره في مجال العقيدة، كان تأويلا فاسدا ووجبت مقاومته والتنبيه على فساده وخطره.
وإذا كنا تكلمنا عن خصائص التأويل، وأنه تفسير خفي وأنه يدخل في علم الدراية، وأن جانب الإلهام واضح فيه، فإن هذه الخصائص لا تنفي عنه صفة التأويل المرتبط بالنص، فإذا انتفت صلة التواصل والانتماء بين النص والتأويل انتفت شرعية ذلك التأويل، وأصبح من نوع العبث الدال على الجهل، ولو وقع إقرار هذا النوع من التأويل لتجرأ الجهلة على القرآن، وفسروا آياته تحت شعار التأويل بما شاءت لهم انحرافاتهم أن يقرروه، واختلط التأويل السليم الصحيح الذي يدل على عمق في الفهم ودقة في الإدراك بالتأويل الفاسد والسقيم الذي يدل على جهل صاحبه.
وهذه الضوابط ضرورية وهامة، ولا يجوز التساهل فيها، وإذا جاز لنا أن نقبل تأويل العلماء وأن نستفيد من آرائهم وتصوراتهم وأن نشجع حرية الرأي ونحترم قدسية الفكر فلا يجوز لنا أن نقبل الفكر السقيم ولا أن نسمح للجهال بأن يعبثوا بمعاني القرآن، إرضاء للعوام واستجابة للجهلة والمنحرفين.
قال أبو القاسم محمد بن حبيب النيسابوري:
وقد نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل، ما اهتدوا إليه، لا يحسنون القرآن تلاوة، ولا يعرفون معنى السورة أو الآية، ما عندهم إلا التشنيع عند العوام، والتكثر عند الطغام، لنيل ما عندهم من الحطام، أعفوا أنفسهم من الكد والطلب وقلوبهم من الفكر والتعب، لاجتماع الجهال عليهم وازدحام ذوي الأغفال لديهم، لا يكفون الناس عند السؤال، ولا يأنفون عن مجالسة الجهال، مفتضحون عند السبر والزواق، زائغون عن العلماء عند التلاق (١).

(١) انظر البرهان للزركشي، ج ٢، ص ١٥٢.


الصفحة التالية
Icon