المفسر ويحكم قبضته عليه بما يملكه من قوة التوجيه ووضوح الأدلة، ولهذا غلب على كتب التفسير أنها تأثرت بشخصية المفسر واختصاصه، ورضخت لآرائه وتوجيهاته واختياراته، وتعددت مناهج المفسرين وتباعدت، وأصاب بعضهم فيما ذهب إليه وأخطأ البعض الآخر، وقسم العلماء التفسير إلى محمود ومذموم، بحسب التزام المفسر بقواعد التفسير الصحيح، وإذا تضمنت الترجمة استطرادا أو تفسيرا أو ترجيحا وتوجيها فلا تعتبر ترجمة، ولا بد من الترجيح في الترجمة لأن المفردات التي تحتمل أكثر من معنى تتطلب من المترجم أن يختار أو يرجح أحد المعاني المحتملة، ولا خيار له في ذلك، فإذا لم يرجح أحد المعاني وجب عليه أن يورد جميع المعاني المحتملة، وهذا أمر غير ممكن في الترجمة.
الفارق الثالث: يفترض في المترجم أن يأتي باللفظ المتضمن لجميع معاني الأصل، ولا يلتمس له العذر فيما قصر فيه، لأن الترجمة تتطلب ذلك، وليس من حقه أن يستبدل لفظة مرادفة للأصل بلفظة أخرى أوضح دلالة على المعنى، لأن غموض الأصل في بعض المواطن يحمل دلالات معينة، ويجعل النص قابلا للتفسير المتعدد، فإذا اختار المترجم تفسيرا واحدا فقد ضيق الخناق على المعنى المترجم وقصره على بعض معانيه، ويختلف الأمر بالنسبة للمفسر، فمن حقه أن يختار من المعاني ما يراه أقرب، ومن حقه أن يرجح وأن يوجه النص لاستنباط حكم تراءى له، فالمترجم ناقل والمفسر متحكم، وسلطة المفسر أوسع وسلطة المترجم ضيقة وأكثر مشقة.
الفارق الرابع: يفترض في المترجم أن يؤكد أن المعاني المستفادة من اللفظ المترجم أو من النص المترجم تفيد نفس المعاني والدلالات المستفادة من النص الأصل، فإن أفاد النص المترجم معنى ليس واردا في النص الأصلي، فهذا خطأ فادح، وتحريف للأصل، وانحراف عنه، ونسبة معنى مستفاد من أصل لأصل، لا يفيد ذلك المعنى، وهذا أمر بالغ الخطورة، ولهذا فإن مسئولية المترجم كبيرة، ولا بد له من الإحاطة بكل ما يفيده النص الأصلي من دلالات، وما يفيده النص