وذكاء ودقة وحسن فهم وعمق إدراك، فلا يكتفي في الترجمة أن تكون قاصرة على استبدال لفظة بأخرى، أو الإتيان بلفظ مكان لفظ، فهذا مما يحسنه الكثير والترجمة أعمق من ذلك وأدق، وهي عمل متكامل، يجري تصحيحه وتقويمه باستمرار، إلى أن يستوي قريبا من الكمال دقيقا في استيعابه للمعاني والدلالات المطلوبة.
والملكة اللغوية هي أساس كل عمل جدير بالتقدير، ولا بد من ملكة الإجادة في الترجمة، وهي ملكة نابعة من حسن فهم معاني القرآن باللغة العربية، وعمق ما يدل عليه الأسلوب القرآني من مقاصد وغايات وتوجيهات.
ثالثا: الأهلية والكفاءة والقدرة، وهذا هو الشرط الذي يعبر عن كثير مما يجب أن يتوفر في المترجم سواء كان فردا أو هيئة من أهلية وكفاءة وقدرة، ومعرفة كل من اللغتين يدخل ضمن هذا الشرط إلا أن كلمة الأهلية أولى وأوسع، فليس كل عالم باللغتين مؤهلا للقيام بترجمة القرآن، كما أن ليس كل عالم بالعربية مؤهلا لتفسير القرآن وفهمه، فقد ينحرف في تفسيره، وقد يضله علمه فتلتبس عليه المعاني، وتضيق عليه الخناق، فلا يهتدي إلى الطريق، ولا بد في فهم القرآن من «أهلية» تتجاوز حدود المعايير اللغوية، فمن ختم الله على قلبه بالغفلة وسوء الفهم فلا يتوقع منه خير، وكم من عالم أحاط بعلم الأولين واستوعب كل الكتب ومع ذلك فقد ضل طريقه، لأن المعرفة تحتاج إلى بصيرة ثاقبة وأهل البصيرة يدركون بنور تلك البصيرة ما لا يدركه أهل البصر، فالبصر يحتاج إلى نور، والنور عطاء من الله يمن به على من اطمأن قلبه بذكر الله، وخشعت جوارحه بطاعة الله.
وفي كل ترجمة للقرآن يجب أن يذكر نص القرآن بلغته العربية، والتأكيد على أن ذلك النص العربي هو القرآن، بألفاظه وبرسمه، وبترتيبه، وما عداه فهو ليس القرآن، والقرآن لا يتعدد، فليس هناك قرآن باللغة العربية، وقرآن آخر بلغات أخرى، وليس لأية ترجمة للقرآن ما للقرآن من أحكام، سواء من حيث التعبد بقراءته أو من حيث وحدة نصوصه، فالترجمة تتعدد وتقبل الخطأ