«من أفضل علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة ابتداء ووسطا وانتهاء، وترتيب ما نزل بالمدينة كذلك، ثم ما نزل بمكة وحكمه مدني، وما نزل بالمدينة وحكمه مكي، وما نزل بمكة في أهل المدينة، وما نزل بالمدينة في أهل مكة، ثم ما يشبه نزول المكي في المدني وما يشبه نزول المدني في المكي» (١).
وقال ابن العربي في كتابه الناسخ والمنسوخ:
«الذي علمناه على الجملة من القرآن أن منه مكيا ومدنيا وسفريا وحضريا، وليليا ونهاريا وسمائيا وأرضيا، وما نزل بين السماء والأرض، وما نزل تحت الأرض في الغار» (٢).
اصطلاحات العلماء في المكي والمدني:
استعمل العلماء في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة:
الاصطلاح الأول: يطلق المكي على ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة والمدني ما نزل بالمدينة، ويدخل في مكة كل ما قرب منها من ضواحيها، كعرفات ومنى والحديبية، ويدخل في المدينة ما قرب منها، كبدر وأحد، ولوحظ في هذا التقسيم المكان، وليس الزمان، ومن الصعب في ظل هذا التقسيم تطبيق الخصائص الزمانية المرتبطة بتطور الدعوة، حيث من الصعب دمج الآيات المكية التي نزلت قبل الهجرة والآيات المكية التي نزلت بعد الهجرة في إطار نسق واحد موضوعي وأسلوبي.
الاصطلاح الثاني: وهو الأشهر، يطلق المكي على ما نزل قبل الهجرة إلى المدينة، وإن كان بالمدينة، ويطلق المدني على ما نزل بعد الهجرة وإن كان بمكة، وهذا التقسيم لوحظ فيه الزمان وليس المكان، والزمان يجسد المرحلة التاريخية ويعبر عنها، ومن اليسير في ظل هذا التقسيم تطبيق الخصائص الزمانية المتعلقة بكل من المكي والمدني، وهو تقسيم سليم من هذا الجانب، وييسر الأمر على الدارس والباحث.
(٢) انظر الإتقان للسيوطي، ج ١، ص ٢٢، طبعة المكتبة العصرية، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.