ذلك، ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا عن طريق الصحابة الذين عاصروا وقت النزول، وعايشوا تلك المرحلة الزمنية، واهتمام العلماء بذلك مؤشر واضح على عناية علماء المسلمين بالقرآن، وتوثيق للقرآن، وتتبع لمراحل نزوله، وتحديد لتاريخ كل آية وموطن نزولها.
وهذا التفريق ساعد العلماء على تحقيق ما يلي:
أولا: تحديد خصائص كل من الآيات المكية والمدنية عن طريق الاستقراء والتتبع، من الناحية الموضوعية والأسلوبية.
ثانيا: دراسة مراحل تاريخ الدعوة الإسلامية خلال المرحلتين المكية والمدنية، وتوثيق روايات السيرة النبوية، المرتبطة كل الارتباط بالقرآن والسنة النبوية.
ثالثا: معرفة الناسخ والمنسوخ من الآيات والأحكام، وهذا أمر كبير الأهمية، لأن النسخ وقع في القرآن، ومعرفة المتقدم والمتأخر من الآيات هو السبيل الوحيد لمعرفة الناسخ من المنسوخ.
رابعا: فهم النصوص القرآنية عن طريق معرفة تاريخ القرآن، والظروف التي أدت إلى نزول الآيات، واستنتاج منهج الدعوة الإسلامية في الخطاب والإقناع.
واستطاع العلماء بعد جهد كبير وتتبع دقيق أن يعرفوا المكي والمدني من الآيات، ومن الطبيعي أن يقع الاختلاف في بعض الآيات، نتيجة تعدد الروايات فيها، إلا أن ذلك الالتباس أمكن التغلب عليه، والآيات المكية معروفة والآيات المدنية كذلك.
وعدّد «الزركشي في البرهان» والسيوطي في الإتقان كلا من السور المكية والسور المدنية، والسور المكية خمس وثمانون والسور المدنية تسع وعشرون، على اختلاف الروايات، ووقع الاختلاف في اثنتي عشرة سورة، ويبدو أن سبب الخلاف هو أن بعض السور نزلت بين مكة والمدينة أو أن بعضها مكي والبعض الآخر مدني، وهو خلاف يدل على جدية الاهتمام بالأمر، ودقة تتبع الروايات الواردة عن الصحابة.


الصفحة التالية
Icon