ومما يلفت النظر هنا أن تفتتح أول آية فى القرآن- حسب النزول- بالعقيدة، وأن تختتم آخر آية منه بالعقيدة، وأن يكون بين الآيتين فترة زمنية مدتها ثلاثة وعشرون عاما، نزلت فيها آيات فى موضوعات القرآن وتوجيهاته ومبادئه وتشريعاته.. ولهذا دلالات- تربوية وتصورية- على أهمية العقيدة أولا، وعلى ضرورة الاستمرار فى التذكير بها والتركيز عليها، وعلى ربط كافة المناهج والتشريعات بها لضمان الالتزام بها وأدائها، وعلى إقبال المربين والموجهين عليها لتكون مادة التربية وأساس التوجيه، وعلى أهمية التذكير باليوم الآخر، وربط القلوب به لاستقامة الحياة.. وغير ذلك من إيحاءات ودلالات..
ولو وقف القارئ البصير أمام قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) [الأنعام: ١] وحاول استخراج دلالاته وإيحاءاته فإنه سيقف على رصيد ضخم منها، ومن أهمها:
أن الحمد والشكر والثناء لا يكون فى الحقيقة إلا لله، لأنه هو مصدر الخيرات والنعم، وحمد الناس لكونهم وسائط لها وأسبابا، وهو فى الحقيقة حمد لله الذى أوجد فى قلوب المحسنين والمنعمين الرأفة والرحمة على بنى البشر.
ومنها أن الله هو الخالق لكل ما فى السماوات والأرض، وهذا رد على الملحدين الذين ينسبون الخلق إلى الطبيعة، وأن الله هو الجاعل للظلمات والنور، وهذا رد على الثنوية والمجوس الذى يجعلون للكون إلهين: إلها للخير وإلها للشر. وأن الله وحده لا شريك له، ولهذا ضل المشركون الذين عدلوا به الأصنام أو ساووا به الأوثان..
ومنها أن الآية تقرر حقيقة ما عليه الكفار من عقول وتصورات،


الصفحة التالية
Icon