أو تبدلها من هذا الكلام دون إخلال بغرض قائله؟ وأى كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها هناك» [النبأ العظيم: ١٠٥].
ويتحدث الإمام سيد قطب عن غنى النصوص بدلالاتها وأصالتها وجمالها فيقول: «إن النص الواحد يحوى مدلولات متنوعة متناسقة فى النص، وكل مدلول منها يستوفى حظه من البيان والوضوح، دون اضطراب فى الأداء أو اختلاط بين المدلولات. وكل قضية وكل حقيقة تنال الحيز الذى يناسبها.. بحيث يستشهد بالنص الواحد فى مجالات شتى، ويبدو فى كل مرة أصيلا فى الموضع الذى استشهد به فيه، وكأنما هو مصوغ ابتداء لهذا المجال ولهذا الموضع! وهى ظاهرة قرآنية لا تحتاج منا إلى أكثر من الإشارة إليها.. » [الظلال: ٣/ ١٧٨٧].
ولا بدّ للقارئ البصير الذى يريد أن يعيش إيحاءات القرآن وظلاله ولطائفه- كما بينا فى المفتاح السابق- أن ينطلق من هذه القاعدة، وأن ينظر له بهذا المنظار، وأن يفتح كنوزه المذخورة بهذا المفتاح، فيتعرض لها ويلحظها ويعيشها ويشير إليها.
الآية التى أوردناها قبل قليل- على سبيل المثال- كم من الدلالات والمعانى يمكن أن تستخرج منها؟ وكم من مظاهر البركة وصورها وألوانها يمكن أن تؤخذ منها؟ - على القاعدة البلاغية «حذف المعمول يفيد العموم» فالقرآن مبارك فى كل شيء، بركة عامة شاملة- إنه مبارك فى مصدره لأنه كلام الله، ومبارك فى مكانه فى اللوح المحفوظ، ومبارك فى حامله جبريل عليه السلام، ومبارك فى من يشيعه من الملائكة، ومبارك فى من تلقاه وهو رسول الله عليه السلام، ومبارك فى من استقر فيه وهو قلب الرسول عليه السلام، ومبارك فى كلماته فهى قليلة فى مبناها غنية فى معناها، ومبارك فى حجمه القصير وعلومه الغزيرة، ومبارك فى علومه ومعارفه