وتدعو المخططين والموجهين والمربين فى عالمنا اليوم، وواضعى الخطط والمناهج التربوية والكتب التعليمية إلى ملاحظة هذه الإشارة القرآنية واللفتة التعليمية فيها.. تلك هى ترتيب المهمة التربوية التعليمية لرسول الله عليه الصلاة والسلام، والعطف على وسائلها بالواو، وتقديم الأساس على البناء، والتمهيد على الموضوع، والبذرة والشجرة على الثمرة والجنى، والمقدمة على النتيجة، نأخذ كل هذا من عطف الأفعال المضارعة فى قوله: «يتلو عليهم آياته.. ويزكيهم.. ويعلمهم الكتاب والحكمة» إنها مراحل ثلاث متدرجة متتابعة مرتبة: تلاوة القرآن كتمهيد وتخلية واستعداد وتهيئة، ثم تزكية النفوس وتطهيرها من أمراضها وأدرانها ونقائصها ورذائلها.. وأخيرا تأتى عملية التعليم لهذه النفوس بعد ما استعدت وتهيأت، وبعد ما تطهرت وزكت.. وبعد ما أشرقت واستنارت، تأتى عملية التعليم ثمرة مباركة لشجرة الإيمان والتزكية، ونتيجة معطاءة لمقدمات مدروسة صحيحة، وهدى ورحمة وخيرا وسعادة للمتعلمين، ولأمتهم وللإنسانية من حولهم..
وقد وصف الله كتابه بصفة البركة، ووسمه بهذه السمة، ودعانا إلى تلمس مظاهر هذه الصفة، والوقوف على ألوان البركة القرآنية الشاملة العامة، ولا أعنى بها البركة بمفهومها المنتشر عند المسلمين اليوم من الخير والعطاء والزيادة فى الأجر والثواب، لا أعنى هذا فقط- كما أننى لا أنفيه من القرآن، فهو مبارك بهذا المفهوم- وإنما أعنى بها البركة فى المفهوم القرآنى، وهى- كما قال العلامة الراغب الأصفهانى فى كتابه الفريد المفردات- «والبركة ثبوت الخير الإلهى فى الشيء، وسمى بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء فى البركة، والمبارك ما فيه ذلك الخير، ومن ذلك وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠) [الأنبياء: ٥٠].