ولقد كان هذا الإمام عاملا بعلمه حريصا على أن يكون ما حصله من العلم سبيلا للهداية والتقوى وخشية الله عز وجل، فكان كما وصفه الذين ترجموا له: «زاهدا ورعا ناسكا» (١) بل إن تنسكه وخشوعه في الصلاة بلغ درجة عالية حتى قيل إنه سرق رداؤه عن كتفه وهو في الصلاة ولم يشعر به وردّ إليه ولم يشعر لشغله بالصلاة (٢)، وهذا يعني أن الصلاة والتدبر فيها قد ملك عليه فؤاده حتى شغله عن كل شيء واستغرق في الخشوع لدرجة أنه لم يعد يدري ما يدور حوله، فهو في عالم الصلاة وأجوائه الفسيحة يحلق مناجيا ربه متجردا من الدنيا ومتعها وأحوالها.
وكان يعقوب أيضا ثقة صدوقا متبعا آثار من قبله من الأئمة غير مخالف لهم في القراءة، وثّقه أحمد بن حنبل وأبو حاتم، وقال أبو حاتم فيه: صدوق، هو أعلم من رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن وعلله ومذاهبه ومذاهب النحو، وأروى الناس لحروف القرآن ولحديث الفقهاء (٣).
وكونه متبعا آثار من قبله من الأئمة غير مخالف لهم في القراءة يؤكد على أمر جدير بالاهتمام وهو أن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول وليس لأحد أن يزيد فيها او ينتقص منها، وقد اتفقت كلمة أهل العلم على أن القراءة سنة، وأنه لا مجال فيها للتشهي ولا للرأي أو القياس، فالقراءة رواية محققة متقنة يضبطها القارئ عن شيوخه العدول الضابطين ولا يحيد عما رواه وتعلمه قيد شعرة.
وهي مسألة تؤكد لنا أن طريق أخذ القرآن هي النقل بالمشافهة والمشامّة وإنما كانت قواعد التجويد لحراسة الرواية والحفاظ عليها من أن يتطرق إليها نسيان أو وهم.
كان يعقوب- رحمه الله- حريصا على نشر العلم وتبليغه بكل وسيلة ممكنة، فأخذ يقرئ الناس ويعلمهم مستشعرا أهمية ما يقوم به من جهد مبارك، وأنه كلما كان أثره أكبر في هذا المجال كان أجره أعظم، فالرسول صلّى الله عليه وسلم يقول: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ويقول: «بلغوا عني ولو آية».
- تلاميذه: كثر تلاميذ يعقوب الذين أخذوا عنه العلم ونقلوا عنه القراءات بالسند المتصل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكان منهم: زيد ابن أخيه أحمد، وكعب بن إبراهيم،

(١) ياقوت الحموي، معجم الأدباء (٢٠: ٥٢)، وابن الجزري، غاية النهاية (٢: ٣٨٨).
(٢) ابن الجزري، غاية النهاية (٢: ٣٨٨).
(٣) الاندرابي، قراءات القراء المعروفين ص ١٣٥، وابن الجزري، غاية النهاية (٢: ٣٨٧).


الصفحة التالية
Icon