وقد أعانه على طلب العلم همة وقادة وقلب سئول، ورغبة قوية في التعلم والتلقي والأخذ عن العلماء، وكان له من الغنى واليسار ما يذلل له الصعوبات التي كثيرا ما تكون عقبة أمام طلبة العلم.
وكان سخيا بماله، يبذله على التعلّم وفهم المسائل، حتى ليكاد من يطالع سيرته يرميه بالإسراف، ومما يدل على ذلك قوله:
«أشكل عليّ باب من النحو فأنفقت ثمانين ألف درهم حتى حفظته أو قال عرفته» (١) ويدل على ذلك أيضا أنه كان يكلف الوراقين بالكتابة له، بل كان له ورّاق مختص به هو أحمد بن إبراهيم المعروف ب (ورّاق خلف) (٢) وكذا أخوه إسحاق بن إبراهيم الذي روى عن خلف اختياره (٣).
ولم يقتصر خلف في طلبه على مدرسة واحدة من مدارس القراء بل أخذ قراءة أهل المدينة عن إسحاق المسيبي عن نافع بن أبي نعيم، وقراءة أهل مكة عن عبيد بن عقيل عن شبل بن عباد عن ابن كثير، وقراءة أهل البصرة عن عبد الوهاب بن عطاء عن أبي عمرو البصري وقراءة عاصم الكوفي عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن عاصم، وأخذ عن سليم عن حمزة (٤)، وقال خلف أيضا: كنت أحضر بين يدي عليّ بن حمزة الكسائي وهو يقرأ على الناس، وينقطون مصاحفهم بقراءته (٥).
وقد بلغ من حرصه وشدة تحريه أنه قال: قرأت على سليم بن عيسى القرآن مرارا كثيرة، وكنت أسأله عند الفراغ من القرآن، أأروي عنك بهذه القراءة التي قرأتها عليك عن حمزة؟ فيقول: نعم، قال: وسمعته يقول: قرأت القرآن على حمزة عشر مرات (٦).
- قراءته واختياره: كان حرص العلماء على تلقي قراءة خلف والأخذ عنه دليلا على ثقتهم بعلمه وصحة نقله وروايته، بل كان بعضهم يرى أن خلفا أضبط الناس

(١) ابن الجزري، غاية النهاية (١: ٢٧٣) والنشر (١: ١٩١).
(٢) ابن الجزري، غاية النهاية (١: ٣٤).
(٣) المرجع السابق (١: ١٥٥).
(٤) الاندرابي، قراءات القراء المعروفين، ص ١٤٩ - ١٥٠.
(٥) المرجع السابق ص ١٥٠.
(٦) ابن مهران، الغاية في القراءات العشر، ص ١٠٨.


الصفحة التالية
Icon