ولا بد من التنبيه على أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ليست هي القراءات السبع التي اشتهرت في الأمصار باتفاق القراء (١)، بل هي جزء من الأحرف السبعة، وقد نقل ابن الجزري عن غير واحد من العلماء أنهم كرهوا ما فعله ابن مجاهد، فقال: «... ولذلك كره كثير من الأئمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القراء، وخطّئوه في ذلك، وقالوا: ألا اقتصر على دون هذا العدد أو زاده أو بيّن مراده ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة... » (٢).
وهذه أهم الأقوال التي قيلت في معنى الأحرف السبعة وقد بلغت أربعين قولا، كما حكى ذلك القرطبي والسيوطي وغيرهما (٣):
١ - أن هذا الحديث من المشكل المتشابه الذي لا يعلم معناه، وذلك لأن (الحرف) مشترك لفظي يصدق على معان كثيرة، وهو ينسب إلى ابن سعدان النحوي.
ويناقش هذا القول بأن الأحرف السبعة، هي كيفيات قد عمل بها الصحابة، ونقلوها إلى الآفاق رواية وتحملا وأداء، ولو كانت من المتشابه الذي لا يعلم معناه، لما عملوا بها، فإن التمكن من العمل بالرخصة، وهي نزول القرآن على سبعة أحرف، يلزمه معرفة معناها، أو كيفية أدائها، فيبعد حينئذ أن تكون الأحرف السبعة من المتشابه الذي لا يعرف معناه.
(٢) انظر هذه المسألة في عامة كتب القراءات وعلوم القرآن، ومنها: ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (١: ٣٦)، وابن الجزري منجد المقرئين، ص ٥٤، ومكي بن أبي طالب، الإبانة عن معاني القراءات، ص ٣٨، وما بعدها، ومناع القطان، مباحث في علوم القرآن، ص ١٦٢.
(٣) انظر تفصيل الأقوال في معنى الأحرف السبعة: ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (١: ٢٤) وما بعدها، وابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري (٩: ٢٣) وما بعدها، وأبو شامة، المرشد الوجيز، ص ٩١ وما بعدها، وابن كثير، فضائل القرآن، ص ٦٧، والقرطبي، الجامع لأحكام القرآن، (١: ٣١) وما بعدها، والقرطبي، التذكار في أفضل الأذكار من القرآن، ص ٣٠، والزركشي، البرهان في علوم القرآن (١: ٢١٣ - ٢٢٧)، والصفاقسي، غيث النفع في القراءات السبع، ص ٩ - ١٥، ومكي بن أبي طالب، الإبانة عن معاني القراءات، ص ٨٠، ود. عبد العزيز ابن عبد الفتاح القارئ، حديث الأحرف السبعة، دراسة لإسناده ومتنه، واختلاف العلماء في معناه، وصلته بالقراءات القرآنية، ص ٧٨ - ٧٩، والزرقاني، مناهل العرفان (١: ١٥٣ - ١٨٣).