الأمر الأول: من حيث الموضوع: فإن علم التجويد لا يعنى باختلاف الرواة، وعزو الروايات لناقليها، بقدر عنايته بتحقيق الألفاظ وتجويدها وتحسينها، وهو مما لا خلاف في أكثره بين القراء؛ فإن القراء عموما متفقون على موضوعات مخارج الحروف والصفات، والقضايا الكلية للمد والقصر، وأحكام النون الساكنة والتنوين، والميم الساكنة، وغيرها.
الأمر الثاني: من حيث المنهج: فإن منهج كتب القراءات هو المنهج النقلي؛ فإن كتب القراءات كتب رواية، بخلاف كتب التجويد فلا تعتني بالرواية، ولكنها كتب دراية، تعتمد على درجة مقدرة القارئ في ملاحظة أصوات اللغة، وتحليلها، ووصفها حال إفرادها أو تركيبها.
وقد استفيد الفرق بين علمي التجويد والقراءات من نصوص وردت في كتاب:
«الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة»، لمكي بن أبي طالب (ت ٤٣٧ هـ).
ومنها قوله في مقدمة الكتاب: «وإني لما رأيت هذه الحكمة البديعة والقدرة العظيمة في هذه الحروف التي نظمت ألفاظ كتاب الله- جل ذكره- ووقفت على تصرفها في مخارجها وترتيبها عند خروج الصوت بها، واختلاف صفاتها، وكثرة ألقابها... قويت نيتي في تأليف هذا الكتاب وجمعه في تفسير الحروف ومخارجها، وصفاتها وألقابها، وبيان قويها وضعيفها، واتصال بعضها ببعض، ومناسبة بعضها لبعض، ومباينة بعضها لبعض، ليكون الوقوف على معرفة ذلك عبرة في لطف قدرة الله الكريم؛ وعونا لأهل تلاوة القرآن على تجويد ألفاظه وإحكام النطق به... ولست أذكر في هذا الكتاب إلا ما لا اختلاف فيه بين أكثر القراء، فيجب على كل من قرأ بأي حرف كان من السبعة أن يأخذ نفسه بتحقيق اللفظ وتجويده، وإعطائه حقه على ما نذكره مع كل حرف من هذا الكتاب» (١).
ومنها قوله حين تحدث عن أحكام تجويد الهمزة: «وقد تقدم ذكر أصول القراء واختلافهم في الهمز وتليينه وحذفه وبدله وتحقيقه وغير ذلك من أحكامه في غير هذا الكتاب فلا حاجة بنا إلى ذكر ذلك، وكذلك ما شابهه، فليس هذا كتاب اختلاف،

(١) مكي بن أبي طالب، الرعاية لتجويد القراءة، ص ٥١ - ٥٢.


الصفحة التالية
Icon