قال ابن الجزري: وتلقى الناس الجمع بالقبول، وقرأ به العلماء وغيرهم، لا نعلم أحدا كرهه (١).
وبعد أن استقر العمل بجمع القراءات في ختمة واحدة في حال التلقي، تشعبت الطرق وكثرت الأوجه، فاحتاج الأمر إلى تنظيم هذه القراءات والتنبيه على عدم التركيب
فيها، لأن من شروط الجمع عدم التركيب في القراءة الواحدة، وتمييز بعضها عن بعض، وإلا وقع فيما لا يجوز وقراءة ما لم ينزل (٢)، وهذه هي مهمة المحررين الذين قاموا بحصر الآيات التي تحتاج إلى تحرير وبينوا ما فيها من الأوجه الجائزة والممنوعة (٣).
ومن أبرز العلماء الذين عنوا بعلم التحريرات: الشيخ مصطفى الإزميري، وعلي المنصوري، والسيد هاشم والشيخ المتولي وغيرهم.
وكان عمل هؤلاء يقوم على مراعاة كتاب النشر وأصوله، ورد كل خلاف بين القراء إلى أصله، لأن كتاب النشر أول كتاب استوعب خلاصة ما في كتب القراءات السابقة بأسانيدها ومتونها حيث جمع نحو ألف طريق، وصفها ابن الجزري بقوله:
هي أصح ما وجد في الدنيا وأعلاه، ولم نذكر فيها إلا ما ثبت عندنا أو عند من تقدمنا من أئمتنا عدالته، وتحقق لقيه لمن أخذ عنه، وصحت معاصرته، وهذا التزام لم يقع لغيرنا ممن ألف في هذا العلم (٤).
ثم قال: وفائدة ما عيّناه وفصلناه من الطرق وذكرنا من الكتب هو عدم التركيب- يعني التلفيق- فإنها إذا ميزت وبينت ارتفع ذلك (٥).
من فوائد علم التحريرات العمل على منع التركيب والتلفيق في قراءات القرآن، ومن فوائده أيضا بالنسبة لمتن الشاطبية والدرة وطيبة النشر، أنه مفصل لمجمل هذه المتون، وموضح لألفاظها ومقيد لمطلقها، وموفّ لشروطها ومنبه على ضعيفها (٦).

(١) ابن الجزري، منجد المقرئين، ص ١٢.
(٢) الصفاقسي، غيث النفع، ص ٦٧ وتأملات ص ١١.
(٣) عبد الرازق بن علي، تأملات، ص ١٢.
(٤) ابن الجزري، النشر (١: ١٩٣).
(٥) المرجع السابق (١: ١٩٣).
(٦) سلمان الجمزوري، الفتح الرحماني، ص ١٩، مقدمة التحقيق بقلم الشيخ عبد الرازق علي موسى.


الصفحة التالية
Icon