وقد أشار ابن حجر العسقلاني إلى المعنى المتقدم، ونص كلامه: «باب أنزل القرآن على سبعة أحرف: أي على سبعة أوجه جوّز أن يقرأ بكل وجه منها، وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة» (١).
ودليل القول المختار في معنى الأحرف السبعة مستفاد من معنى الأحاديث الواردة فيه، ومن القراءات القرآنية الثابتة المتواترة، وذلك ضمن النقاط التالية:
١ - أن الحرف يراد به الوجه المتعلق بالقراءة، وأنها كيفيات لتلاوة الكلمة القرآنية الواحدة، بدليل اختلاف هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما واختصامهما عند النبي صلّى الله عليه وسلم.
٢ - وصفت هذه الأوجه بأنها متعددة؛ لأن القرآن لم يقرأ بوجه واحد، وقوله:
«متغايرة»: إشارة إلى وجوه الاختلاف بين هذه الوجوه سواء في اللفظ فقط مع اتفاق المعنى، مع أنه لا يوجد حرف قرآني يطابق الآخر من جميع الوجوه، ولا بد من زيادة المعنى فإن الزيادة في المبنى يكون معها زيادة في المعنى، أو كان الاختلاف في اللفظ والمعنى، ومن أمثلته الواقعة في القرآن ما قرئ في المتواتر: ربّنا بعد بين أسفارنا [سبأ: ١٩]، والمعنى في هذا الحرف هو أنهم من عتوّهم وطغيانهم طلبوا من ربهم عز وجل أن يباعد بين أسفارهم، وقرئ في حرف آخر: «ربّنا بعّد بين أسفارنا»، بالمبالغة في فعل الأمر، ومعنى هذا الحرف: يشير إلى إلحاحهم وإصرارهم على هذا المطلب، وقرئ في حرف متواتر ثالث: «رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا» فعلا ماضيا، ومعناه: فيه إخبار بما وقع منهم من الشكاية والتحسر، لمّا تحقق ذلك ورأوا ما ترتب عليه من الشدة والمشقة، وهو تباين في المعنى- كما هو واضح-، كما فيه تباين في اللفظ (٢).
وفيما سبق رد على من قصر الاختلاف بين الوجوه على نوع واحد هو: الترادف، وهو قول ابن جرير الطبري ومن وافقه.
(٢) انظر هذا التفصيل: د. عبد العزيز القارئ، حديث الأحرف السبعة، ص ٩٧ - ٩٩.