الرسم لما احتاج الأمر إرسال القارئ مع المصحف، فمدار اختلاف القراءة الرواية لا الرسم.
ومن أوضح ما يرد به على هذه الشبهة، وجود ألفاظ وردت في المصحف في أكثر من موضع، ويحتمل رسمها أن تقرأ بأكثر من وجه، إلا أن اختلاف القراء فيها محصور ببعض هذه الأماكن، فلفظ (ملك) مثلا ورد في مواضع أولها مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: ٤] وقد اختلف القراء في هذا الموضع فقرءوه بالألف وبدونها، أما بقية المواضع فلم يختلفوا فيها مع ما كان قراءتها رسما ولغة بهذين الوجهين وبغيرهما من الأوجه الكثيرة (١).
وهذا يدل على أن القراءة إنما تؤخذ بالمشافهة والسماع ولا تؤخذ من رسم المصحف وخطه (٢).
فخلو المصحف من النقط والشكل كان معينا له على استيعاب القراءات الصحيحة والأوجه المتعددة، ولم يكن موجبا للاختلاف أو مصدرا لهذه القراءات، والاعتماد في القراءة إنما هو المشافهة والنقل والتلقي.
الشبهة الثالثة: جواز القراءة بالمعنى
: ردد هذه الشبهة عدد من المستشرقين وأتباعهم زاعمين جواز إبدال لفظ مكان آخر إذا كان يؤدي المعنى نفسه، معتمدين على بعض روايات الأحرف السبعة وآثار عن عدد من القراء يمكن أن يدل ظاهرها على ما ذهبوا إليه (٣).
(٢) أورد عددا من الأمثلة المؤكدة لهذا الأمر: عبد الفتاح القاضي، القراءات في نظر المستشرقين والملحدين ص ٤٩ - ٨٢ ود. محمد سالم محيسن، المغني في القراءات العشر المتواترة (٣: ٣٧٩ - ٤٠٣).
(٣) للوقوف على تفصيل هذه الشبهة يراجع جولد زيهر، مذاهب التفسير الإسلامي ص ٢٦ و ٢٧ ولتفصيل الرد عليها يراجع:
عبد الصبور شاهين، تاريخ القرآن ص ٧٧ - ٨٦.
ومحمد أبو شهبة، المدخل لدراسة القرآن الكريم ٢٠٩ - ٢١٢.