فهل هناك فرق بين القرآن والقراءات، وقد علمنا بأن القراءات هي كيفيات أداء كلمات القرآن، مع اختلافها معزوا إلى ناقله، ومنها المتواتر والشاذ على ما سيأتي.
بادئ بدء لا بد من القول بأن الإمام بدر الدين الزركشي يرى بأن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، حيث يقول: «واعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات: هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف، وكيفيتها، من تخفيف وتثقيل... » (١). ومنه أيضا: التخفيف والهمز والتسهيل والتحقيق، والفتح والإمالة، وغيرها من أوجه الاختلاف سواء وقع في الأصول أو في فرش الكلمات.
وتابع الزركشي في هذا القول القسطلاني في لطائف الإشارات، والشيخ أحمد ابن محمد الدمياطي، صاحب إتحاف فضلاء البشر.
وهذا الإطلاق من الإمام الزركشي يفيد كون القرآن والقراءات شيئين متغايرين مختلفين مطلقا من كل وجه، وهو إن كان يقصده الإمام فليس بصواب؛ لأن القراءات الصحيحة المتواترة التي تلقتها الأمة بالقبول ما هي إلا جزء من القرآن الكريم، فبينهما ارتباط وثيق، وهو ارتباط الجزء بالكل.
ولعل ما قصده الإمام الزركشي أن بينهما ارتباطا وثيقا، وتداخلا لا ينكر، حيث قال: «ولست في هذا أنكر تداخل القرآن بالقراءات، إذ لا بد أن يكون الارتباط بينهما وثيقا، غير أن الاختلاف على الرغم من هذا يظل موجودا بينهما، بمعنى أن كلّا منهما شيء يختلف عن الآخر لا يقوى هذا التداخل بينهما على أن يجعلهما شيئا واحدا، فما القرآن إلا التركيب واللفظ، وما القراءات إلا اللفظ ونطقه، والفرق بين هذا وذاك واضح، وبيّن» (٢).
والذي يبدو أن القرآن والقراءات ليسا متغايرين تغايرا كاملا، بل هما متغايران من وجه، حيث إن القرآن يشمل مواضع الاتفاق والاختلاف التي صحت وتواترت عن النبي صلّى الله عليه وسلم، والقراءات هي أوجه الاختلاف سواء كانت متواترة أو شاذة، ومعلوم بأن الشاذ لا يصح كونه قرآنا.

(١) الزركشي، البرهان (١: ٣١٨).
(٢) المصدر السابق.


الصفحة التالية
Icon