يراسل القبائل والأقوام، من داخل الجزيرة العربية وخارجها، وكانوا متعددي اللغات واللهجات، فاحتاجوا للرخصة، فأخذ كل منهم يقرأ بقدر استطاعته (١).
يدل على هذا قول ابن حجر: «أنزل أولا بلسان قريش ثم سهل على الأمة أن يقرءوه بغير لسان قريش وذلك بعد أن كثر دخول العرب في الإسلام لقد ثبت أن ورود التخفيف بذلك كان بعد الهجرة» (٢).
وليس من السهل القطع بترجيح قول على آخر، ولكن الإشارات التي ذكرها أصحاب القول الثاني ربما تكون أقرب لموضوع الأحرف السبعة، والظروف التي نزلت فيها، وطبيعة الرخصة والحاجة إليها، فإن أضاة بني غفار موضع بالمدينة، كما أن الأحاديث الواردة في الأحرف السبعة ظاهرها كان في مسجد، وهو كان في المدينة، مع أن هذا القول يشكل عليه: كون عدد من سور القرآن مكية، وفيها وجوه اختلاف.
وبقية الاستدلالات تبدو عقلية وتحتمل الصواب والخطأ، ولذلك يظهر أن الأحرف نزلت في المدينة، ولكن لا يبعد أن جزءا منها نزل في مكة المكرمة.
ويمكن أن يقال أيضا إن السور التي نزلت بمكة نزلت أولا على حرف واحد وكان المسلمون يقرءونها بحرف واحد، فلما انتقلوا إلى المدينة وكثر الداخلون في الإسلام واحتيج إلى القراءة بسبعة أحرف صارت هذه السور تقرأ على سبعة أحرف بتعليم وتوقيف من الرسول صلّى الله عليه وسلم.
ثانيا: التدرج التاريخي لنشأة علم القراءات:
ترجح لدينا أن أكثر القراءات نزل في المدينة المنورة، بيد أنه لا يبعد أن يكون بعضها بدأ نزوله في مكة المكرمة.
وقد كان القرآن الكريم يتلقى عن النبي صلّى الله عليه وسلم حرفا حرفا، يتلقاه عنه الصحابة رضي الله عنهم، وكان القرآن محفوظا في الصدور، وهكذا القراءات، ثم عني العلماء

(١) الدكتور شعبان محمد إسماعيل، القراءات أحكامها ومصدرها، ص ٤٤.
(٢) ابن حجر، فتح الباري (٩: ٢٨).


الصفحة التالية
Icon