الشاذة حقيقية بالرجل الذي أسس نظام القراءات السبع المشهورة (ابن مجاهد) وقد ألف إلى جانب كتاب السبعة كتابا آخر اسمه كتاب (الشواذ) وقد ضاع» (١).
وبعد ذلك توالى التأليف في القراءات السبع التي اختارها ابن مجاهد، فألف مكي ابن أبي طالب: التبصرة، والكشف، وألف أبو عمرو الداني: التيسير وجامع البيان، وألف ابن شريح: الكافي، ونظم الشاطبي قصيدته: «حرز الأماني ووجه التهاني» ضمنها كتاب التيسير.
«وقد كانت مؤلفات الداني ومعاصريه من علماء القرن الخامس حدا فاصلا في التفرقة بين القراءات الصحيحة والشاذة لا سيما مؤلفات الداني بما لقيته من شهرة وإقبال دراسي عليها وبما حظيت به الشاطبية من شرح ودرس» (٢).
ذلك لأن في مؤلفات القرن الرابع أمثال السبعة لابن مجاهد قراءات صحيحة شذذها رجال القرن الخامس ومن بعدهم كقراءة ابن كثير (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) في الفاتحة بنصب غير، وقراءته (لَإِحْدَى الْكُبَرِ) في المدثر بغير همز (لحدى)، وقراءات شواذ وردت في مختصر البديع لابن خالويه. مثل قراءة ابن كثير من رواية البزي (سَحابٌ ظُلُماتٌ) في النور بالإضافة، اعتدها متواترة مقرءو القرن الخامس ومن بعدهم، وفي ضوئه قد نستطيع أن نعتبر عصر الداني العصر الذي استقرت فيه الحدود بين القراءات الصحاح والقراءات الشواذ.
ثالثا: القراءات القرآنية في عصرنا الحاضر:
بعد الحديث عن نشأة علم القراءات وحاله في المراحل الزمنية المتعددة، فإنه ينبغي تبيين حال هذا العلم في عصرنا الحاضر، بعد أن مرّ هذا العلم بأوقات ندر فيها طالبوه، وقلّ فيها راغبوه، إلا أننا في هذا العصر بحمد الله نلمس بداية عودة صادقة إلى هذا العلم، ورغبة جامحة في تعلمه وتلقيه، وعادت القراءات لتنتشر من جديد، ومظاهر هذه العودة إلى علم القراءات متعددة ومنها:
(٢) ابن الجزري، منجد المقرئين، ص ١٥.