وكقول الشاعر:

دببت للمجد، والساعون قد بلغوا جهد النفوس، وألقوا دونه الأزرا
وكابدوا المجد، حتى مل أكثرهم وعانق المجد من أوفى ومن صبرا
لا تحسب المجد تمرا، أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تعلق الصبرا
وأكثر ما يحرك الأدب الإرادة من غير أن يأمرها بذلك، كما في الروايات التمثيلية الخلقية والاجتماعية، وكما في كثير من الشعر، وربما كان هذا هو ما حدا بالأقدمين إلى أن يوصوا أولادهم بحفظه ودراسته، بل ربما كان هو المعنى الذى لاحظوه عند ما وضعوا لهذا اللون من القول الجميل اسم الأدب.
قال معاوية لابنه: يا بنى ارو الشعر، وتخلق به، فلقد هممت يوم صفين بالفرار مرات، فما ردنى عن ذلك إلا قول ابن الأطنابة:
أبت لى همتى، وأبى بلائى وأخذى الحمد بالثمن الربيح
وإقدامى على المكروه نفسى وضربى هامة البطل المشيح
وقولى كلما جأشت وجاشت مكانك، تحمدى، أو تستريحى
لأدفع عن مكارم صالحات وأحمى بعد عن عرض صحيح
وأنت ترى الشعر نفسه لا يطلب إقداما، ولا يحث على ثبات، ولكنه حديث عن هذا النزاع الذى دار بنفس قائله، وهو في ميدان القتال، وكيف استطاع أن يثبت فى هذا الميدان، يحمله على الثبات ماض ملىء بالجهاد، وهمة تأبى النقيصة، وقلب موكل باكتساب المجد، ونفس اعتادت الإقدام على المكارم، وضرب هامات الأبطال؛ دفاعا عن مآثره، وحماية لعرضه، وليس في الشعر سوى هذا.
ولكن معاوية رأى في صاحبه بطلا جديرا بالاقتداء.
وبما قدمناه يتبين أن الخلاف على أن الإصلاح الاجتماعى من أهداف الأدب خلاف ظاهرى يزيله تحديد معنى الأدب، وتحديد مجاله، أما وقد قلنا: إن كل ما في الحياة يصلح أن يكون موضوعا للأدب، على أن يتناول من ناحية إحساس الأديب، بما فيه من جمال أو قبح، فلا ضير على الأديب إذا أن يتناول مسألة خلقية أو اجتماعية يعالجها، أو أن يدعو إلى فضيلة، أو ينهى عن مأثمة، على شريطة أن يكون ذلك من تجاربه، وأن يثير فينا الوجدان فيرضى فنعمل، أو يكره فنكف.
الأديب حر في أن يتناول ما يشاء من تجاربه، من غير أن نضع له خطة ينتهجها، وكل ما نطالبه به أن يرسم لنا شعوره، ولذا نرى من الأدباء من أحس بجمال المشورة فمدحها، كبشار بن برد، إذ قال:


الصفحة التالية
Icon