معكم، أكدوا لرؤسائهم شدة إخلاصهم لهم، حتى لا يدعوا لهؤلاء الرؤساء سبيلا إلى الشك في إخلاصهم، بسبب ما يظهرونه بألسنتهم للمؤمنين من الإيمان، وفي مَعَكُمْ ما يشعر بهذا الرباط القلبى، الذى يربط المنافقين برؤسائهم، وفي اختيار القصر وأداته في الجملة الثانية: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ، ما سبق أن ذكرنا فكأنهم يقولون لشياطينهم: إن استهزاءنا بالمؤمنين عند ما نقول لهم: آمنا، واضح، لا يمكن أن يكون سببا لشككم في إخلاصنا لكم، وأن قلوبنا معكم، واختاروا الجملة الاسمية يدلون بها على ثبوت هذا الخبر واستقراره.
واختار الله في الرد عليهم أن يأتى باسمه دون صفة من صفاته، ليوحى إلينا بهذا الجلال، الذى يحيط بذلك الاسم المقدس، وأنه هو الذى سيتولى الاستهزاء بهم، وكلمة يستهزئ تصور هذا الجزاء الساخط، الذى يقابل به الله استهزاءهم، ليصور بأمر محسوس، أمرا معنويّا، هو تركهم في ضلالهم لا يهتدون، واختيار كلمة الطغيان، توحى بالخروج في قوة عن الطاقة المألوفة في العصيان والفجور، والعمه في الآية، يصور لنا مدى تردد هؤلاء القوم في غوايتهم، وأنهم لا يهتدون إلى الحق والصواب، فهم في حيرة من أمرهم كالأعمى، يسير على غير هدى ولا اطمئنان.
وامض في قراءة الآية التالية، وتأمل وجه استخدام اسم الإشارة، يشير به إلى طائفة قد اتصفت بتلك الصفات الخادعة، وكان لها أثرها في الحكم عليهم، وفي كلمة اشترى، ما يدل على إيثار هؤلاء القوم للضلالة على الهدى، واختار كلمة الضلالة هنا، وآثرها على الكفر والنفاق مثلا، ليتسنى بيان حال ما اختاروه في إيجاز، ووضع الهدى بجوار الضلالة، ليتأتى في يسر معرفة مدى خسران هؤلاء القوم، وضعف عقولهم، ونفى الربح عن التجارة، ولم ينفه عن المتجرين، للإشارة إلى أن هذه التجارة بطبيعتها تجارة خاسرة، بقطع النظر عن المتجرين بها، وفي ما كانُوا مُهْتَدِينَ إشارة إلى جهلهم، باختيار هذه التجارة الخاسرة.
وفي الآية التالية تستوقفنا كلمة استوقد نارا، فنتبين فيها حال رجل، قد أحاطت به حلكة الظلام، فهو يطلب جاهدا نارا تضيء له مسالك السبيل، والسين والتاء يدلان على هذا البحث القوى، والطلب الجاد، وفي كلمة أضاءت ما يدل على أنه قد أوتى أكثر مما كان يطمح إليه، فلقد كان يبحث عن نار، أيّا ما كانت، فأوتى نارا قوية أضاءت ما حوله، غير أن ذلك لم يلبث أن مضى وزال، واستخدام ذهب بالنور أقوى من ذهب النور؛ لأن في التعبير الأول دلالة على أن آخذا أخذ


الصفحة التالية
Icon