وخذ قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) (البقرة ٤٠ - ٤٤). ألا تراه يثير فيهم شعور العرفان بالجميل، عند ذكر نعمه التى أنعم بها عليهم، وهذا العرفان بالجميل يدفعهم إلى الوفاء بالعهد، والإيمان بما أنزل، لا أن يقابل منهم بالجحود، والنكران، وإلباس الحق ثوب الباطل، كما أثار فيهم غريزة حب النفس، عند ما أنكر عليهم دعوتهم الناس إلى الخير، ونسيانهم أنفسهم، وهكذا اتصل الأمر والنهى بتلك الإثارات الوجدانية، التى تحمل النفس على قبول الأمر والنهى.
وخذ فاتحة الكتاب، وهى من آيات الابتهال والتسبيح، تر فيها الإثارات الوجدانية واضحة جلية، فاتل قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧) (سورة الفاتحة ٢ - ٧). ترى الحمد قد قرن بما يثير في النفس الحب والإجلال معا، فالله المنعم بجليل النعم ودقيقها، مالك يوم الدين، يبعث في النفس الفرح عند انتهاجها الصراط المستقيم، بأنها ستكون مع الذين أنعم الله عليهم.
ويقرن الله سبحانه وتعالى أوامره بإثارات عاطفية، تدعو إلى قبولها والعمل بها، وها هو ذا، كما رأينا، يذكر بنى إسرائيل بنعمه عليهم، هذا التذكير الذى يدفعهم إلى عرفان الجميل، فيوفون بعهده، ويرهبونه، ويؤمنون بما أنزل مصدقا لما معهم.
ويذكرنا برقابته لنا حتى نخافه إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (النساء ٥٨).
ويثير فينا النخوة التى تدفعنا إلى الدفاع عن الضعاف والنساء والأطفال، ويصور لنا لهفة هؤلاء على من ينصرهم، فيبعث في نفوسنا إحساس الرفق، وعامل الشفقة،
ويرسم لنا من يقاتل ذيادا عن أولئك مقاتلا في سبيل الله، واستمع إليه سبحانه يقول: وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ