بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه نستعين
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على رسوله النبى الأمىّ الذى يؤمن بالله وكلماته.
وبعد: فإن دراسة النص الأدبى دراسة كاملة تتطلب الوقوف عند لبناته الأولى التى هى المفردات، لتبين مدى الإصابة في اختيارها، ومدى تمكنها في موضعها من جملتها، وقوة ربطها بأخواتها، وقديما قال القدماء وأصابوا: إن لكل كلمة مع صاحبتها مقاما.
فإذا ما درست المفردات هذه الدراسة الفنية، درست الجملة في النص، لإدراك سر قوتها وجمالها، وهنا المجال فسيح أمام علوم البلاغة الاصطلاحية، التى تدرس أسباب الجمال في تكوين الجملة العربية، فتبحث لم قدّم هذا الجزء من الجملة، ولم أخر ذاك، ولماذا حذف هنا، وأثبت هناك، ولم جاء هنا التعريف، وهناك التنكير، ولم استخدم الخبر في موضع الإنشاء، ولم عبر هنا بالمجاز، وكيف جمل هنا التشبيه، وراق في هذا الموضع الجناس، إلى غير ذلك من أبحاث تتصل بالجملة والجملتين.
ونمضى بعدئذ إلى دراسة النص برمته، ننظر إليه وحدة متصلة الأجزاء، فنرى مدى ارتباط بعضه ببعض، ومدى تضافر أجزائه على رسم الصورة التى يريد النص توضيحها، ومدى الإصابة في ترتيب هذه الأجزاء، كى يؤدى سابقها إلى لاحقها، حتى إذا تم النص صارت فكرته واضحة في النفس، جلية مؤثرة.
ولا بدّ من دراسة المعانى التى حواها النص، لمعرفة القوى منها والضعيف، وما له دخل في تكوين الصورة وما هو دخيل، وكيف نضّدت هذه المعانى ونسقت، حتى التأمت وحدة تنبض بالحياة.
لا نقف إذا من دراسة النص عند حد التأمل فيما أودعه من تناسق لفظى، أو جمال في الأسلوب، ولكن لا بدّ من دراسة ما بين اللفظ والمعنى من تآخ وتناسب، ودراسة ما اختير من المعانى، لمعرفة مدى تأثيرها في الفكر، وإثارتها للوجدان، فإن النفس الإنسانية تنقاد بهما، وتخضع لهما.