قال «ابن كثير» (١) :«أي: قاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا في ذلك. ويدخل في ذلك ارتكابُ المناهي من المَثُلة، والغُلُول، وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، والرهبان، وأصحاب الصوامع، وتحريق الأشجار، وقتل الحيوان لغير مصلحة... قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا مَنْ كَفَرَ بالله، اغزوا ولا تَغُلُّوا، ولا تغْدِروا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تقتلوا وَليدًا) (٢).
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: وُجِدَت امرأةٌ مقتولةٌ في بعض مغازي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فنهى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عن قتلِ النساء والصبيان (٣) ». وقال الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: ١٩٣).
قال «ابن القيم» (٤) :«مدّ الله تعالى قتالهم إلى أن ينتهوا عن أسباب الفتنة، وهي الشرك. وأخبر أنه لا عدوان إلا على الظالمين، والمجاهر بالسب والعدوان على الإسلام غير مُنْتَهٍ، فقتالُه واجبٌ إذا كان غير مقدور عليه، وقتله مع القدرة حتم، وهو ظالم فعليه العدوان الذي نفاه عمن انتهى، وهو القتل والقتال».
والنصوص العامة تحرِّم العدوان على الآخرين. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ كما تمنع العدوان على الآمنين المسالمين. قال الله تعالى: ﴿فلا عدوان إلا على الظالمين﴾ والظلمُ محرم في كل شريعةٍ، والله تعالى لا يرضى بظلم غير المسلم، كما لا يرضى بظلم المسلم. وقد أخبر تعالى أنه لا يظلم الناس شيئاً، فدخل في عموم هذا اللفظ جميعُ الناس من مسلمٍ وغير مسلمٍ (٥). قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (مَنْ قَتَلَ معاهِدًا في غير كُنْهِهِ حَرَّم اللهُ عليه الجنة) (٦).
الأساس السابع: التعاون على البِرِّ والتقوى
القرآن الكريم أوجد مجتمعًا متعاونًا بجميع أصناف التعاون على ما ينفع الأمة قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (المائدة: ٢).
قد اشتملت هذه الآيةُ على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، فيما بينهم وبين الله، وفيما بينهم وبين الله، وفيما بينهم وبين الخلق.
قال «ابن كثير» (٧) :«يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم».
(٢) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الجهاد والسير - باب تأمير الإمام والأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها) (١٧٣١).
(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الجهاد - باب قتلِ النساء في الحرب) (٣٠١٥)، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الجهاد والسير - باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب) (١٧٤٤).
(٤) في «أحكام أهل الذمة» (٢: ٨٢٩)، عن «بدائع التفسير» (١: ٣٨٨).
(٥) انظر «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (٩: ٩٤).
(٦) أخرجه «أبو داود» في «سننه» في «كتاب الجهاد - باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته» (٢٧٦٠) من حديث «أبي بكرة» رضي الله عنه. قوله «في غير كنهه» أي مَنْ قتله في غير وقته، أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله. «اللسان» (كنه ١٣: ٥٣٧).
(٧) في «تفسيره» (٣: ١٢ - ١٣).