وأمَرَ الله سبحانه نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - بطلب الاستزادة من العلم فقال: ﴿وقل ربِّ زدني علماً﴾ (طه: ١١٤). وعن «أبي هريرة» قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: (اللهم انفعْني بما عَلَّمتني، وعَلِّمني ما ينفعني، وزِدْني علماً، والحمد لله على كل حالٍ، وأعوذُ بالله من حالِ أهلِ النار) (١).
الصفة الثالثة: دستور هذه الأمة
من اتبع هديَ القرآنِ الكريم، وترسَّم خطاه فاز في الدنيا، وأفلح في الآخرة، ومن أعرض عنه إلى القوانين الوضعية التي هي من أفكار البشر خسر خسرانًا كبيرًا، وكانت حياته همًّا وغمًّا. قال «ابن كثير» (٢) :«قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾ أي: خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حَرَج لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهرُه، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبه يتردد ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ أي: الشقاء، كما قال «ابن عباس». وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى؟ أي: لا حجة له.
ويحتمل أن يكون المراد: أنه يحشرُ أو يبعث إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضاً ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ (طه: ١٢٤ - ١٢٦) أي: لما أعرضت عن آيات الله، وعامَلْتها معاملةَ من لم يذكرها بعد بلاغها إليك تناسيتها، وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك نعاملك اليوم معاملة من ينساك».
والحكمُ بالقرآن الكريم سعادةٌ. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ (النساء: ١٠٥).
وعِلْمُ اللهِ تعالى لا يحتمل الخطأ. فكلُّ ما جعله الله حقاً في كتابه فقد أمر بالحكم به بين الناس.. وأن الله أنزل عليه الكتاب ليحكم بالطرق والقضايا الدالة على وصف الأحوال التي يتحقق بها العدل، فيحكم بين الناس على حسب ذلك، بأن تندرج جزئياتُ أحوالهم عند التقاضي تحت الأوصاف الكلية المبينة في الكتاب (٣).
قال «ابن القيم» (٤) :«أخبر سبحانه أن كل حكم خالف حكمَه الذي أنزله على رسوله فهو من أحكام الهوى، لا من أحكام العقل، وهو من أحكام الجاهلية، لا من حكم الله والهدى». قال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (المائدة: ٤٩، ٥٠).
قال «ابن القيم» (٥) :«قد أقسم الله سبحانه بنفسه أنا لا نؤمن حتى نُحكّم رسولَه في جميع ما شَجَرَ بيننا، وتتسع صدورُنا بحكمه، فلا يبقى منها حرجٌ، ونسلم لحكمه تسليماً، فلا نعارض بعقل ولا رأي، ولا هوى ولا غيره».
(٢) في «تفسيره» (٥: ٣٢٢) بتصرف يسير.
(٣) من «التحرير والتنوير من التفسير» (٥: ١٩٢).
(٤) في «الصواعق المرسلة» (٣: ١٠٤٦) عن «بدائع التفسير» (٢: ١١٣).
(٥) في «الصواعق المرسلة» (٣: ٨٢٨) عن «بدائع التفسير» (٢: ٣٢).