يتحقق ارتباط المرء بربه بأدائه لأركان الإسلام، ودعائمه العظام، وهي خمسة. قال «عبد الله بن عمر» - رضي الله عنهما -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: (بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسولُ الله. وإقامِ الصلاةِ. وإيتاءِ الزكاةِ. وصومِ رمضانِ. وحجِّ البيتِ) (١).
وهذا الحديث عظيم جداً. فهو أحدُ قواعد الإسلام، وجوامعِ الأحكام؛ إذ فيه معرفةُ الدين، وما يعتمد عليه، ومجمع أركانه. وهذه الأركان جاء بها القرآن الكريم مجملةً، وجاء التفصيل في السنة المشرفة.
الركن الأول: عقيدة التوحيد
التوحيدُ أولُ دعوةِ الرُّسل، وأَوَّلُ منازل الطريق إلى الله، عز وجل. وقد بَعَثَ الله تعالى الرسل جميعاً آمرين بعبادة الله وطاعته وحدَه، وترك عبادة غيره من الشياطين والأوثان والأموات، وغير ذلك مما يتخذ من دون الله وليّاً. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ (المؤمنون: ٢٣).
وقال هود لقومه: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ (الأعراف: ٦٥). وقال صالح لقومه: ﴿اعبدُوا الله مالكم من إلهٍ غيرُه﴾ (الأعراف: ٧٣). وقال شعيب لقومه: ﴿اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ (الأعراف: ٨٥). وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (النحل: ٣٦). وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: ٢٥) (٢). وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: (أُمِرْتُ أن أُقَاتِلَ الناسَ حتى يَشهدوا أن لا إله إلا اللهُ، وأنَّ محمداً رسولُ الله) (٣).
وتوحيد الإلهية هو التوحيد الذي أُرْسِلَتْ به الرُّسُل. وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس، فمن لا يقدِرُ على أن يخلُق يكون عاجزاً، والعاجز لا يصلُحُ أن يكون إلهاً (٤). قال تعالى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ (الأعراف: ١٩١).
(٢) انظر «شرح العقيدة الطحاوية» (٢١).
(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في «كتاب الإيمان» (٢٥). و «مسلم» في «صحيحه» في «كتاب الإيمان» (٢٢) من حديث «عبد الله بن عمر»، رضي الله عنهما.
(٤) انظر «شرح العقيدة الطحاوية» (٢١، ٥٣، ٤١).