اختلاف مداركهم وثقافتهم وعلى تباعد أزمنتهم وبلدانهم، ومع تطور علومهم واكتشافاتهم.
خذ آية من كتاب الله مما يتعلق بمعنى تتفاوت في مدى فهمه العقول، ثم اقرأها على مسامع خليط من الناس متفاوت في المدارك والثقافة، فستجد أن الآية تعطي كلّا منهم من معناها بقدر ما يفهم، وأن كلّا منهم يستفيد منها معنى وراء الذي انتهى عنده علمه.
ولسنا نقصد أن الآية تحتمل بذلك وجهين متناقضين أو فهمين متعارضين، بل هو معنى واحد على كل حال، ولكن له سطحا وعمقا وجذورا يتضمنها جميعا أسلوب الآية. فالعاميّ من الناس يفهم منه السطح القريب، والمثقف منهم يفهم مدى معينا من عمقه أيضا والباحث المتخصص يفهم منها جذور المعنى كله.
وخذ إن شئت آية أخرى من كتاب الله مما يتعلق بمعنى يتطور مع امتداد الزمن، ثم اعرضها على مسامع الصدر الأول من المسلمين، فإنهم يفهمون منها المعنى المراد كما هو
في طورهم وعصرهم، ثم اعرضها على مسامع من بعدهم فإنهم يفهمون معناها كما تطور في زمنهم، على أن كلا الفهمين من المدلولات القريبة للآية، وليس من قبيل التكلّف أو تحميل اللفظ ما لا يحمل، ولكن الفهم الثاني كان مطويا عن السابقين لعدم وجود ما ينبههم إليه إذ ذاك.
وفي القرآن الكثير من هذا وذاك، فلنعرض أمثلة منه:
من القبيل الأول قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً، فهذه الآية تصف كلّا من الشمس والقمر بمعنيين لهما سطح قريب يفهمه الناس كلهم، ولهما عمق يصل إليه المتأملون والعلماء، ولهما جذور بعيدة يفهمها الباحثون المتخصصون والآية تحمل بصياغتها هذه الدرجات الثلاث للمعنى، فتعطي كلّا حسب طاقته وفهمه دون أن يكون أيّ تعارض بينهما.
فالعاميّ من العرب يفهم منها أن كلّا من الشمس والقمر يبعثان بالضياء