ولقد قامت «ويا للأسف» حواجز كادت أن تصبح حصينة بين كثير من أفراد نشئنا المثقف وهذا الكتاب العظيم. ولم يعد سرّا خافيا أن هذا الحاجز إنما تكثف واستقرّ وتطاول، بفعل التخطيط الذي كانت ولا تزال تقوم به دوائر أجنبية، قصدا إلى إضعاف اللغة العربية في ألسنة أصحابها العرب وصدورهم، تحت شعارات وأهداف مزوّقة خادعة، كالدعوة إلى تبسيط قواعد العربية تارة، وترويج فكرة الجمع بين العربية والعاميّة أخرى، والدعوة إلى كسر عمود الشعر لإحلال ما يسمى ب «الشعر المنثور» مكانه تارة ثالثة.
والقصد البعيد من ذلك كله، هو إقامة هذا الحاجز بين الجيل وكتاب الله عزّ وجلّ، فإنه إذا حجز عنه، لم يعد يقدر على معرفته وإدراكه، وإذا لم يعد قادرا على معرفته، فأحر به أن لا يقدر على فهم شيء مما يقال حول إعجازه.
وإن هذه النتيجة لتنطوي على ربح عظيم لأولئك الذين يرقبون الأمر من بعيد، بمقدار ما تنطوي عليه من الخسارة الفادحة لهذا الجيل الذي نسي الكثيرون منه كل شيء إلا أنهم: عرب (١).
وعلى كلّ، فلا بدّ من الحديث عن إعجاز القرآن، وعلى من لم يتصور حقيقة القرآن بعد، أن يسرع فيتدارك ما فاته، وسيهون الأمر عليه إذا ما تصور أن أول زاد الأديب ومعلّم العربية إنما هو هذا الكتاب، فهو- من دون معرفته وإتقان تلاوته- لا يملك أن يقول شيئا في باب الأدب أو القواعد أو البيان، وما أخزى وأسوأ منظر ذاك الذي يقف ليلقي درسا في العربية، فإذا ما صادفته آية من القرآن، وجدت لسانه لا يدور بها إلا كما يدور لسان الأعجمي إذا أراد أن يبين بالعربية ويتفصح!!..
ولست أتحدث- في هذا المقام- عن أي غاية لضرورة دراسة هذا الكتاب وإتقان تلاوته، غير الغاية التي نحن بصددها. إن المهم أن عالم العربية ليس عالما بشيء منها طالما ظل غريبا عن ينبوع العربية ومصدر سائر علومها.