ثم إن هذا الكتاب الإلهي العظيم، ينطوي على علوم مختلفة هامة، تتعلق بمضمونه وتاريخ نزوله، كما ينطوي على صور رائعة من الجمال في تعبيره وأسلوبه وإنما يتعلق الغرض هنا بعرض سريع موجز لكلا الجانبين. إذ لا معنى لدراسة الأدب العربي بدون أيّ دراسة لينبوع هذا الأدب كله، وهو القرآن.
ولا قيمة لدراسة فنون العربية وعلومها بدون الرجوع إلى ميزان هذه العلوم ومعتمدها الأول ولا اعتبار لأدب أديب يترطن في تلاوة القرآن ولا يكاد يبين.
وهذا يعني أن الغرض إنما يتناول من ذلك كله، القدر الذي يخصّ العربية وعلومها وآدابها، أما ما يمتد من وراء ذلك إلى علوم الفقه وأصوله أو التفسير وعلم الكلام، فلا شأن لنا به في هذا المقام.
وهذه الحاجة المحدودة بهذا الشكل والقدر، هي التي ألجأتني إلى الكتابة في هذا الفن، رغم كثرة الشواغل والصوارف المختلفة. فقد رجعت إلى كل ما وقع تحت يدي من كتب هذا البحث مما ألّف قديما وحديثا، فما وجدت فيه شيئا يفي بحاجة من يقبل على دراسة الأدب العربي، وإن كان كلّ منها يقع موقعا من حاجته ويسدّ مسدّا فيها. فالبعض منها يتناول زاوية صغيرة محدودة من مجموع ما يتعلق به الغرض في هذا المقام، والبعض منها يطنب ويتوسع في أبحاث علوم القرآن حتى يتجاوز الأمر بالقارئ حدود العربية وآدابها إلى الإسلاميات وعلومها.
ولقد انتهى الضعف بطلاب العربية وعلومها في عصرنا إلى حدّ لا يكادون يستطيعون التعرّف فيه على شيء من هذه الكتب أو الأمّهات القديمة، ولا يكادون يملكون صبرا على قراءتها أو تصفحها، ويبدو أننا (ويا للأسف) لم ندرك بعد سرّ هذه الغاشية ولا علاجها.
فمن أجل كل ذلك اضطررت إلى أن أكتب بضع صفحات في هذا الفن، أتيمم فيها حاجة الأدب العربي وكفايته، واستهدف من ورائها أن يتذوق طلاب العربية هذا السموّ الرائع في البيان القرآني، تذوقا جيدا. فإنهم إذا تذوقوه طربوا له، وإذا طربوا له أقبلوا إليه قراءة وفهما، وإذا أقبلوا إليه بهذا