ومأوى. وانظر كيف عبّر عن تأمين حاجته إلى المسكن والمأوى بقوله: ولا تضحى... أي لك أن لا تصيبك شمس الضحى أو يؤذيك لفحها بما نهيئه لك من المسكن الذي يؤويك (١).
وانظر إلى هذه الآية وقد تضمنت حكما من الأحكام الشرعية المهمة.
وهي قوله تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (الأنفال: ٥٨). تأمل صياغة هذه الآية وطريقة دلالتها على المعنى الذي تعبّر عنه، تجد نفسك أمام أسلوب فريد ليس من دأب الإنسان أن يتأتى له التعبير بمثله.
وإليك ما يقوله ابن قتيبة وهو يحاول التعبير عن معنى هذه الآية بألفاظ عربية من عنده:
(ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ...
الآية، لم تستطيع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها، وتصل مقطوعها، وتظهر مستورها فتقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد فخفت منهم خيانة ونقضا فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت عليهم وآذانهم بالحرب، لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء) (٢).
وحسبك أن تعلم أن الآيات المتضمنة لأحكام التشريع، قد لا تزيد على ثلاثمائة آية، إلا شيئا يسيرا وهي لا تبلغ معشار النصوص الفقهية التي دوّنها الفقهاء فيما بعد، ولكن قد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن من أبرز مظاهر الإعجاز في هذه الآيات أن الطريقة الفريدة في صياغة وتراكب جملها، تجعلها متسعة للدلالة على ذخر من المعاني الكثيرة التي لا يمكن التعبير عنها بطريقتنا المألوفة، إلا بواسطة مجلدات...
خذ على سبيل المثال هذه الآية:
(٢) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة: ١٦.