عن دقة هذا التشريع وسعته ومقوّمات خلوده وصلاحيته، فحدّث عن ذلك ولا حرج، والكلام في ذلك متشعب، وطويل الذيل. إلا أن الحديث في ذلك خارج في جملته عن حقيقة الإعجاز الذي نتكلم عنه. وإنما مكمن الإعجاز التشريعي هو ما قد أوضحناه بشكل موجز.
رابعا: مظهر جلال الربوبية:
لم أجد من فصل القول في هذا الجانب من الإعجاز القرآني، على الرغم من أنه من أبرز ما يظهر حقيقة الإعجاز القرآني، فهو الجانب الذي لا يمكن أن يخفى حتى على العامّة الذين لا يتمتعون بدراية واسعة للبلاغة العربية أو الثقافة العامّة. إذا كانوا ممّن يقرءون القرآن بتأمل وتدبّر.
ومما لا ريب فيه أن أكثر الناس الذين يقرءون كتاب الله تعالى، وقد وقر في أنفسهم أن هذا الكلام لا يمكن أن ينطق به بشر من الناس، دون أن يعلموا البرهان الواضح على يقينهم هذا، إنما يستشعرون في الحقيقة، هذا النوع الذي نحن بصدد شرحه وتحليله، وهو ما أسميناه: مظهر جلال الربوبية في القرآن، إلا أن من الطبيعي أن القارئ الذي لا يتمتع بثقافة أو دراية علمية واسعة لا يمكن أن يعبّر عن مصدر شعوره أو يقينه الذي تأثر به.
ولكي نحلّل هذا الجانب المهم من الإعجاز القرآني، يجب أن ننبّه إلى حقيقة علمية ونفسية لا يقع فيها ريب ولا مراء. فما هي؟
من المعلوم أن الكلام مرآة دقيقة لطبيعة المتكلم. فما تتجلى الأغوار النفسية لشخص على شيء كما تتجلى على ما قد يكتبه أو يقوله. وكلما تبسط الإنسان وزاد من حديثه الذي يكتبه أو يقوله، ازدادت خصائصه النفسية جلاء ووضوحا.
لذا لم يكن من اليسير أن يقلّد كاتب كاتبا آخر في أسلوبه إذا كتب. فلا يستطيع الرجل أن يتقمص نفسية المرأة في كتابته، ولا يستطيع كاتب معاصر- مهما بلغ في السيطرة على أسلوبه وقلمه- أن يقلّد كاتبا عاش قبل هذا العصر.
ولقد حاول كثيرون أن يقلدوا أسلوب الجاحظ وغيره فما استطاعوا إلى ذلك


الصفحة التالية
Icon