الكفرة الذين تضمنهم الخطاب في قوله: هو الذي يريكم... والجملة تصور لك عجيب أمر هؤلاء الذين يرون آيات الله كلها ويبصرون دلائل وجوده ووحدانيته، فيظلّون مع ذلك يجادلون في شأن الله: وجوده ووحدانيته، وقضية البعث من بعد الموت!!.
وإنما التفت الخطاب عنهم في هذه الجملة إلى الغيبة، بعد أن كان الكلام موجّها إليهم مع سائر الناس في الجمل السابقة- إيذانا بإسقاطهم عن درجة الخطاب وإعراضا عن لغوهم وباطلهم الذي يخوضون فيه. وأسند جدالهم إلى الذات الإلهية مع أن الجدال لا يكون في الشيء نفسه وإنما في حكم متعلق به، ليشمل كل ما يجادلون فيه وينكرونه مما تنزل في البيان الإلهي المبين.
وجاءت الجملة الأخيرة: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ، على وزن التي قبلها، فهي أيضا حال.. ولكنها حال من الله عزّ وجلّ، نزّلت من التي قبلها منزلة المقابلة، لتكون بذلك أقوى
تعبير عن الإنذار والوعيد، لأولئك الذين لم تنفعهم الآيات والبراهين والدلائل الكونية المختلفة الناطقة بوجود الله تعالى ووحدانيته، فظلوا مع ذلك يجادلون عن غيّهم وباطلهم؛ فلئن كان حالهم، وهم يرون هذه الأدلة كلها، هي الجدال في الله، فإن حال الله عزّ وجلّ، مع كل ما بثّ في الكون من هذه الأدلة، أنه شديد المحال؛ أي شديد القوة، وشديد الأخذ في غفلة وعلى حين غرّة، وشديد القدرة على مكايدة الظالمين بإبطال كيدهم وأخذهم بباطلهم.
* وآخر ما تعرضه الآيات من الصفات الدالّة على عظيم قدرة الله تعالى وألوهيته أنه وحده عزّ وجلّ، صاحب الدعوة الثابتة الواقعة في محلها المجابة عند وقوعها، أي إنه وحده الذي إذا دعي سمع وأجاب الدعوة. فإضافة الدعوة إلى الحق من إضافة الشيء إلا صفته أو جنسه كقولك: كلمة الحق.
أما ما قد يدعى من دون الله عزّ وجلّ من سائر المخلوقات، أيّا كان، فإن دعاءهم باطل لا يتوقع من ورائه استجابة ولا فائدة. ولما كان الحكم على دعائهم بالبطلان وعدم الاستجابة معنى سلبيا اعتباريا لا يمكن أن تتجسد له صورة في الذهن، قلب البيان القرآني المعجز السلب إلى صورة إثبات مستعملا


الصفحة التالية
Icon