ينصتون إلى شيء من الحق مهما ذكروا به ودعو إليه، في حين أنهم يسرعون إلى الكفر والجحود مهما لاحت لهم أي صورة منه على البعد.
فمن أجل ذلك، لا مردّ ولا رجوع؛ والحكم لله العليّ الكبير وحده.
* ويلتفت السياق هنا، بعد أن تصور القارئ المتأمل رهبة الحشر والحساب يوم القيامة، وتصور حالة الندم التي يستغرق فيها الكافرون إذ ذاك دون أي فائدة؛ لينبّه الناس- وإن الوقت لم يفت بعد، وإن هذا الموقف لا يزال غيبا في علم الله- إلى أن يتداركوا فيصلحوا أحوالهم ويؤمنوا بالحق القائم جليّا أمام بصائرهم. فيقول الله عزّ وجلّ مخاطبا عباده في دار الدنيا: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ. فأما الآيات، فهي تلك الدلائل الجليّة على وجود الله ووحدانيته والتي بها تستقر العقيدة الصحيحة في القلب فتحقق مصلحة الدين للناس في الحياة. وأما الرزق الذي ينزل من السماء فهو كناية عن سببه وهو المطر الذي به تحيا الأرض وتوجد الأرزاق، والذي به تتحقق مصلحة الدنيا للناس في الحياة، فالآية تبيّن أن الله عزّ وجلّ قد أقام لعباده في الدنيا كلّا من أساسي مصلحة دينهم ومصلحة دنياهم.
ولكن رغم ذلك كله، فإنه لا يتذكر هذه الحقيقة الواضحة ويستيقظ إليها إلا من تخلّص من شوائب أهوائه وأغراضه ورجع إلى عقله المتجرد الحرّ يستمع إلى حكمه ويأخذ بهديه.
* فإذا كان الأمر كذلك، فاستقيموا أيّها المؤمنون على عبادة الله تعالى وأخلصوا الدين له، ولا تلتفتوا إلى ما يغيظ الكافرين من ذلك، فهم إنما يكرهون ذلك منكم وينكرونه بسائق من شهواتهم وأهوائهم النفسية، لا بوحي من عقولهم الحرّة الطليقة.
ولما أمر الله المؤمنين بالاستقامة على عبادة الله، أتبع ذلك ببيان بعض ما يتصف به الله عز وجلّ من صفات الربوبية تأكيدا لما تضمنته الآية السابقة من الأمر بعبادة الله عزّ وجلّ فقال: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ، ذُو الْعَرْشِ، يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ.


الصفحة التالية
Icon