إمساكه عنها زمن طويل، حتى إذا نزلت آية من القرآن في شأن ذلك السؤال، طلب السائل وتلا عليه ما نزل من القرآن في شأنه، وربما تصرف هو نفسه في بعض الأمور على نحو معيّن، فنزلت آيات من القرآن تصرفه عن ذلك الوجه بل ربما انطوت على شيء واضح من العتب واللوم.
ثم إنه عليه الصلاة والسلام كان يعلن في كل مرة أن القرآن كلام الله، وأنه ليس إلا أمينا على نقله وتبليغه، وأنه يتلقاه من جبريل عليه السّلام. ولقد ظل عليه الصلاة والسلام صادقا أربعين سنة مع قومه، حتى كان بينهم مثال الصدق والأمانة. وبدهي أن مثل هذا الإنسان لا بدّ أن يكون قبل كل ذلك صادقا مع نفسه، يتحرى الدقة في كل مشاعره وأقواله وإحساساته.
وبعد ذلك كله، فقد كان- على ما أجمع عليه المؤرخون- أميّا لم يقرأ كتابا ولا خطّه بيمينه، ولم يدرس تشريعا ولا تاريخا ولا شيئا من قصص الرسل والأنبياء السابقين، فمن أيّ نافذة طبيعية يمكن لهذه الإلهامات كلها أن تتنزل عليه، وكيف لها بأن تنبع هكذا من داخل قلبه وعقله؟
لا جرم أن الوحي القرآني إذا، إنما هو استقبال منه صلّى الله عليه وسلّم لحقيقة ذاتية مستقلة خارجة عن كيانه وشعوره الداخلي؛ وبعيدة عن كسبه أو سلوكه الفكري أو العملي.
أما قول بعض المستشرقين بأنه لم يكن إلا نوعا من الصرع ينتابه بين الحين والآخر، فليس من النظريات العلمية الموضوعية في شيء حتى نضعه تحت مجهر البحث والنقاش، ونضيّع وقتا قصيرا أو طويلا في الكلام عنه.
ونعود بعد هذا إلى شرح القيود المأخوذة في تعريف القرآن الكريم:
ثالثا- التعبّد بتلاوته. والمقصود به أن من خصائص هذا الكتاب الكريم أن مجرد قراءته تكسب القارئ أجرا ومثوبة عند الله، وأن ذلك يعتبر نوعا من العبادة المشروعة، وأن الصلاة لا تصح إلا بقراءة شيء منه ولا يغني عنه غيره من الأذكار أو الأدعية أو الأحاديث.
رابعا- وصوله عن طريق التواتر. ومعناه أن قرآنية آية من القرآن لا


الصفحة التالية
Icon