حكمة نزول القرآن منجّما:
هنالك حكم هامة وكثيرة تتعلق بنزول القرآن منجما، نذكر منها ما يلي:
أولا- لقد قضت سنّة الله تعالى في عباده أن يلاقي النبي عليه الصلاة والسلام أذى كبيرا من قومه من أجل نهوضه بينهم بتبليغ رسالة ربه، وقد لاقى من ذلك أنواع الشدائد التي جعلته بينهم مدة طويلة غريبا لا ناصر له.
ولقد كان لاتصال الوحي به إذ ذاك وتتابع نزول الآيات عليه تشدّ من أزره، وتحمله على الصبر والمصابرة، وتعده بالنصر والتأييد في النهاية- كان لذلك أبلغ الأثر في مواساته وتخفيف تلك الشدة عنه وإزاحة معاني الغربة والضعف عن نفسه. فمن هذه الآيات مثلا قوله تعالى:
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (ق: ٢٩، ٤٩).
ومن ذلك قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر: ٩٤ - ٩٩).
فلو أن القرآن نزل كله عليه جملة واحدة، لكان لانقطاع الوحي عنه بعد ذلك أثر كبير في استشعاره الوحشة والغربة. ومهما يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أوتي من العزيمة والصبر، فإن لبشريته أيضا أثرا بيّنا في حياته ما دام أنه بشر.
وقد كان لديه صلّى الله عليه وسلّم من قوة الإيمان بالله ما يكفي لأن يحمله على تبليغ دعوة ربه والجهاد في سبيلها؛ ولكنه على ذلك لم يكن به غناء عن المواساة والمعونة والتصبير إذ يأتيه كل ذلك من ربه المرة تلو المرة يعيده إلى الأمن والانشراح والأنس والرضى.

يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ مرجحا رواية ابن عباس التي رويت بطرق عدة. وانظر البرهان للزركشي ١/ ٢٠٩ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١/ ٦٠.


الصفحة التالية
Icon