ثالثا- أهمية معرفة أسباب النزول:
لمعرفة أسباب نزول الآيات، أهمية كبرى في تجلية معانيها، والوقوف على حقيقة تفسيرها، إذ ربّ آية من القرآن يعطي ظاهرها دلالات غير مقصودة منها، فإذا وقفت على مناسبها وسبب نزولها انحسر عنها سبب اللبس وظهرت فيها حقيقة المعنى ومدى شموله واتساعه.
فمن ذلك قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة: ١١٥).
فالمتبادر من ظاهرها أن الاتجاه في الصلاة إلى كل الجهات سواء، فللمصلي أن يتجه إلى حيث يشاء في صلاته. ولكنك إذا وقفت على سبب نزول هذه الآية رأيت أنها لا تحمل هذه الدلالة المطلقة، وسببها على ما رواه الواحدي في كتابه أسباب النزول، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث سرية فأصابتهم ظلمة، فلم يعرفوا القبلة، فاتجه كلّ منهم ناحية حسب ظنه واجتهاده، فلما قفلوا عائدين سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فسكت، فأنزل الله تعالى، ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثمّ وجه الله (١).
ولولا معرفة سبب النزول لتمسك الواهمون بمثل قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما دليلا على عدم حرمتها لما فيها من المنافع.
فمن أجل ذلك يقول الواحدي في مقدمة كتابه أسباب النزول (.. إذ هي- أي أسباب النزول- أوفى ما يجب الوقوف عليه وأولى ما تصرف العناية إليه، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها) (٢).
رابعا- اهتمام العلماء بالكتابة في «أسباب النزول».
ونظرا لهذه الأهمية التي ذكرناها لمعرفة أسباب نزول الآيات ومناسباتها،
(٢) المرجع السابق: ٤.