أن وضعه للنحو كان مصحوبا بتنقيط المصحف (١) ولعلّ الرواية التي ساقها ابن خلكان تجمع القدر المشترك بين مختلف تلك الروايات، وإليك ما يقوله في ذلك: كان أبو الأسود الدؤلي لا يخرج شيئا أخذه من علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى أحد (يقصد به الرقعة التي كان قد أعطاه إياها وفيها قواعد أولية للنحو) حتى بعث إليه زياد بن أبيه- والي العراق يومئذ- أن اعمل شيئا يكون إماما ويعرف به كتاب الله عزّ وجلّ، فاستعفاه من ذلك، حتى سمع أبو الأسود قارئا يقرأ: (إن الله بريء من المشركين ورسوله بالكسر) فقال: ما ظننت أن أمر الناس آل إلى هذا، ورجع إلى زياد فقال:
أفعل ما أمر به الأمير؛ فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما أقول له، فأتي بكاتب من عبد القيس فلم يرضه، فأتي بآخر، فقال له أبو الأسود إذا رأيتني قد فتحت فيّ بالحرف، فانقط نقطة فوقه، وإن ضممت فمي فانقط بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت، ففعل ذلك (٢).
فإذا تأملت في هذا الخبر- وهو كما قلت لك قدر مشترك للروايات التي ساقها ابن عساكر وابن النديم وأبو الطيب اللغوي- علمت أن الذي بدأ بتحسين رسم القرآن هو أبو الأسود الدؤلي، وعلمت أن هذا التحسين هو وضع النقط للقرآن؛ وأنه لم يكن يقصد به تمييز الحروف المهملة عن المعجمة كما هي وظيفة النقط فيما نعلم، وإنما كان
يراد به الشكل الذي يقوم مقام الفتح والكسر والضم منعا عن اللحن في القراءة وعلمت أيضا أنه إنما وضع النحو من حيث نقّط القرآن وأن الذي دفعه إلى وضع النحو وتقعيد قواعده وإبراز الرقعة التي كان قد أعطاه إيّاها علي بن أبي طالب، هو ما أفزعه من سماع اللحن في تلاوة القرآن.
ولعلك تسمع بعد هذا، عن روايات تقول بأن يحيى بن يعمر

(١) انظر وفيات الأعيان: ١ - ٢٤٠، وانظر كتاب «النحو العربي» للأستاذ الدكتور مازن المبارك ص ١٠٠ - ٢٩ فقد عرض فيه لتحقيق واسع فيما روي من خبر أول واضع للنحو، وقارن بين مختلف الروايات في ذلك.
(٢) وفيات الأعيان: ٢٢ - ٤٠.


الصفحة التالية
Icon