كان هو المصدر الأول لفهم الكتاب وتبيينه. ولا بدّ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بيّن لأصحابه سائر معاني الكتاب كما بيّن لهم ألفاظه وطريقة تلاوته (١).
أما الصحابة، فهم الطبقة الأولى في تاريخ علماء التفسير، وهم الأساس والأصل اللذان قامت عليهما نشأة علم التفسير.
غير أن الصحابة ليسوا كلهم في مستوى واحد من العلم بكتاب الله تعالى والوقوف على تفسيره، وإنما هناك نخبة امتازت واشتهرت من بين سائر الصحابة بهذا العلم. منهم الخلفاء الراشدون وابن مسعود، وابن عباس، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وجابر، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضوان الله تعالى عليهم أجمعين (٢).
ولقد كان أكثر هؤلاء رواية للتفسير، أكثرهم تعميرا وأطولهم حياة، فمن أجل ذلك كان ابن عباس رضي الله عنه المتوفى سنة ٦٨ في مقدمة من اشتهر من الصحابة بالتفسير، وقد روي عنه في التفسير ما لا يكاد يحصى كثرة وقد سمّاه ابن مسعود: ترجمان القرآن. ومن أجل ذلك تجد الخلفاء الثلاث: أبا بكر وعمر وعثمان أقل الذين ذكرناهم رواية له بسبب تقدم وفاتهم، ولعله بسبب أعباء الخلافة أيضا (٣).
وأنت تعلم أن التفسير إنما كان عند هذه الطبقة رواية وأداء بالنطق والمشافهة فقط، ولم يكن شيء منه يكتب على عهدهم، كما لم يكتب أيّ علم آخر اللهمّ إلا القرآن والحديث.
ثم تأتي (الطبقة الثانية) من علماء التفسير، وهي طبقة التابعين. وقد نبغ منهم في التفسير ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: وهم أصحاب عبد الله بن عباس، من علماء مكة المكرمة

(١) انظر الإتقان للسيوطي وما يرويه في هذا البحث عن ابن تيمية: ٢ - ١٧٨.
(٢) انظر كشف الظنون: ١ - ١٧٨.
(٣) انظر كشف الظنون: ١ - ٢٩٨، والإتقان: ٢ - ١٨٧، وتفسير ابن كثير: ١ - ٤.


الصفحة التالية
Icon