كما لو وقف على قوله وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ، فالوقف على يختار هو مذهب أهل السنة لنفي اختيار الخلق لاختيار الحق فليس لأحد أن يختار، بل الخيرة لله تعالى، أخرج هذا الأثر البيهقي في سننه. وقال عليّ كرّم الله وجهه في قوله تعالى وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. وقال ابن الأنباري: من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء، إذ لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن إلا بمعرفة الفواصل، فهذا أدل دليل على وجوب تعلمه وتعليمه. وحكى أن عبد الله بن عمر قد قام على حفظ سورة البقرة ثمان سنين، وعند تمامها نحر بدنة. أخرجه مالك في الموطأ، وقول الصحابي (١) كذا له حكم المرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: أي ولم يخالفه غيره ولم يكن للرأي فيه مجال. وهذا لا دخل للرأي فيه، فلو خالفه غيره أو كان للرأي فيه مجال لا يكون قوله حجة. واشتهر هذا الفنّ عن جماعة من الخلف، وهم:
نافع ابن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني القارئ (٢) وعن صاحبه يعقوب بن
ـــــــــــــــــــــــــ
عرض له أي للقارئ عجز بعطاس أو قطع نفس أو نحوه عند ما يكره الوقف عليه عاد من أوّل الكلام ليكون الكلام متصلا بعضه ببعض. ولئلا يكون الابتداء بما بعده موهما للوقوع في محذور كقوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا فإن ابتدأ بما يوهم ذلك كان مسيئا إن عرف معناه. وقال ابن الأنباري: لا إثم عليه، لأن نيته الحكاية عمن قاله وهو غير معتقد له، ولا خلاف أنه لا يحكم بكفره من غير تعمد واعتقاد لظاهره.

أجاد وأفاد في هذا المبحث كعادته.
(١) قول الصحابي له حكم المرفوع بثلاثة شروط: ١ - أن لا يعلم له مخالف. ٢ - ليس للرأي فيه مجال. ٣ - ليس معروفا بالأخذ عن أهل الكتاب.
(٢) هو إمام حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مولى جعونة بن شعوب الليثي، حليف حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه-، وكنيته أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو رويم، وأصله من أصفهان، ونشأ بالمدينة، وأقام بها، وكان من الطبقة الثالثة، وانظر ترجمته في: «معرفة القراء الكبار» (١/ ١٠٧ - ١١١)، «غاية النهاية» (٢/ ٣٣٠ - ٣٣٤)، «السبعة» (٥٣ - ٦٤)، «التاريخ الكبير» (٨/ ٨٧)، «الكامل»
(٧/ ٢٥١٥)، «مشاهير علماء الأمصار» (١٤١)، «وفيات الأعيان»


الصفحة التالية
Icon