المبحث الثالث نزول القرآن على سبعة أحرف
طالما شغل هذا الموضوع العلماء- قديما وحديثا- قال الطبري: إن الأقوال فيه فاقت الثلاثين قولا، وأوصلها بعضهم إلى أربعين ونيف، وكلها لم يخل من مقال، وقد أشبع العلماء الأوائل هذه الأقوال نقدا وتفنيدا، أذكر- على سبيل المثال لا الحصر-: الإمام الطبري في تفسيره جامع البيان، وابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز، والثعالبي في كتابه الجواهر، وابن كثير، والنيسابوري، والقرطبي، وخلائق لا يحصون، كما عني به علماء القراءات كابن الجزري في كتابه النشر في القراءات العشر، وقد قال: إن هذا الموضوع قد شغله ما يزيد على ثلاثين عاما ونيف، ثم قال: إن الله هداه إلى ما يمكن أن يكون صوابا، ومع هذا التواضع العلمي لم يوفق للصواب.
وفي عصرنا انساق كثير من العلماء وراء أقوال لا تخلو من ضعف ووهن، وإن تابع بعضهم بعضا، وهم- على جلالة قدرهم- مقلدون لمن سبقهم، فقد استحسن الشيخ عبد العظيم الزرقاني رأي ابن قتيبة وابن الطيب أبي بكر الباقلاني والرازي، ودافع عنه كثيرا وجاء من بعده متأثرا بهذا الرأي.
ولكي نعطي هذا المبحث حقه من البيان يجدر بنا أن نسوق أولا الأحاديث الواردة في هذا الموضوع:
١ - عن عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكدت أساروه في الصلاة، فتصبّرت حتى سلّم، فلبّبته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على