قال ابن الجزري: (وأما من يقول: إن بعض الصحابة كابن مسعود كان يجيز القراءة بالمعنى، فقد كذب عليه، إنما قال: نظرت القرّاء فوجدتهم متقاربين فاقرءوا كما علمتم» (١).
فلو كانت الأحرف هي القراءة بما معناه أو تبديل الكلمة بمرادف لما صح قوله صلّى الله عليه وسلّم: «هكذا أنزلت».
٢ - تدلنا هذه الأحاديث بصراحة ووضوح أن المراد بالعدد سبعة هو حقيقة العدد المحصورين بين الثمانية والستة وليس المراد به الكثرة.
وقد تاهت أقلام بعض الأقدمين والمحدثين في حقيقة هذا العدد، وقالوا: إن المراد به الكثرة لا تحديد العدد سبعة، وقد ذهب إلى ذلك الأستاذ سعيد الأفغاني عميد كلية الآداب في جامعة دمشق، وقرر ذلك في مقدمته لكتاب (حجة القراءات لأبي زرعة) وهو رأي قد سبق إليه من الأقدمين كالقاضي عياض ومن تبعه (٢).
والذي نراه صوابا هو ما ذكرته الأحاديث السالفة الذكر، وهو أن المراد بالسبعة هو حقيقة العدد وليس المراد به الكثرة، وهذا ما ذهب إليه أكثر الأقدمين والمحدثين.
قال ابن الجزري بعد أن ساق كلام الذين يرون أن العدد سبعة يفيد الكثرة، قال:
«وهذا جيد لولا أن الحديث يأباه» (٣)، فالروايات واضحة وصريحة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد راجع جبريل وطلب المزيد حتى بلغ سبعا (٤)، نعم إن الروايات لا تشير بمجموعها إلى أن المراجعة بلغت ستا، بصريح العبارة، ولكن لفظ الحديث يدل على أن النهاية قد انتهت وثبتت ووصلت إلى العدد سبعة، ومما يفيد هذا ما رواه أبو بكرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد انتهت العدة» (٥).
وهل هناك ما هو أوضح من القول: فلم أنزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» (٦).

(١) النشر في القراءات العشر تحقيق د. محمد سالم محيسن، الناشر مكتبة القاهرة، ١/ ٨٦.
(٢) حجة القراءات، لأبي زرعة، ص ٨ - ٩.
(٣) القراءات عند المفسرين، ص ٥. والنشر في القراءات العشر ١/ ٧٧.
(٤) سنن النسائي في جامع ما جاء في القرآن ٢/ ١٥٤.
(٥) النشر في القراءات العشر ١/ ٧٧ وانظر سند أحمد ٥/ ٤١، ٥١.
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه ح (٤٩٩١)، ومسلم ح (٨١٩).


الصفحة التالية
Icon