وقصارى القول، أننا نربأ بأصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يكونوا قد وافقوا أو فكروا، فضلا عن أن يتآمروا على ضياع أحرف القرآن الستة دون نسخ لها.
وحاشا لعثمان رضي الله عنه، أن يكون قد أقدم على ذلك وتزعمه، وكيف ينسب إليه هذا؟
والمعروف أنه نسخ المصاحف التي جمعت على عهد أبي بكر رضي الله عنه، قبل أن يدب النزاع في أقطار الإسلام بسبب اختلاف حروف القراءة في القرآن.
فكانت تلك الصحف محتملة للأحرف السبعة جميعا، ضرورة أنه لم يحدث وقتئذ من النزاع والشقاق ما يدعو إلى الاقتصار على حرف واحد في رأيهم، ولم يثبت أن الصحابة تركوا من الصحف المجموعة على عهد أبي بكر حرفا واحدا، فضلا عن ستة أحرف، ولو كان ذلك لنقل إلينا متواترا، لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله.
ثم كيف يفعل عثمان ذلك، رضي الله عنه ذلك؟ وهو الذي عرف أن علاج الرسول لمثل هذا النوع الذي دبّ في زمانه، كان بجمع الناس وتقريرهم على الأحرف السبعة لا يمنعهم عنها، كلّا ولا بعضا.
ثم كيف يفعل عثمان ذلك، وتوافقه الأمة، ويتم الإجماع؟ ثم يكون خلاف في معنى الأحرف السبعة مع قيام هذا الإجماع؟
أي كيف تجمع الأمة على ترك ستة أحرف، وإبقاء حرف واحد، ثم يختلف العلماء في معنى الأحرف السبعة على أربعين قولا، ويكادون يتفقون- رغم خلافهم هذا- على أن الأحرف السبعة باقية، مع أن الإجماع حجة عند المسلمين، وبه ينجلي ظلام الشك عن وجه اليقين.
ولنفرض جدلا أن نزاع المسلمين في أقطار الأرض أيام خلافة عثمان رضي الله عنه، قضى عليه أن يجمع المسلمين على حرف واحد في القراءة، فلماذا لم تسمح نفسه الكريمة بإبقاء الستة الأحرف الباقية للتاريخ لا للقراءة؟ مع أن الضرورة تقدر بقدرها، وهذه الستة أحرف لم تنسخ لا تلاوة ولا حكما حتى تذهب بجرة قلم كذلك، ثم يبخل عليها بالبقاء للتاريخ وحده في أعظم مرجع، وأقدس كتاب، وهو القرآن الكريم (١).