قال: «حسبك الآن»، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتعهد أصحابه بتعليم القرآن وحفظه حتى أصبحت صدورهم سجلا لما نزل من الحق، وربما علّم النبي- عليه الصلاة والسلام- بعض أصحابه قراءة لم يسمعها أصحابه الآخرون، فيقرأ بعضهم القرآن على القراءة التي سمعها، ويقرأ آخر على قراءة غيرها سمعها من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيسمع أحدهما الآخر فينكر عليه عدم سماعه لها من الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
ففي البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: سمعت هشام ابن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلّم. ثم لبّبته بردائه أو بردائي، فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت له: كذبت، فو الله إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام» فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هكذا أنزلت» ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ يا عمر» فقرأت، فقال: «هكذا أنزلت». ثم قال: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» (١).
وروى مسلم عن أبيّ بن كعب قال: «كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا
جميعا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرءا، فحسّن النبي صلّى الله عليه وسلّم شأنهما... (٢)
الحديث.

(١) صحيح البخاري. كتاب فضائل القرآن. باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ح (٤٩٩٢) و (٦٩٣٦)، ومسلم في صحيحه. كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه ١/ ٥٦٠ ح (٨١٨) (٢٧٠).
(٢) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف ١/ ٥٦١ ح (٨٢٠) (٢٧٣).


الصفحة التالية
Icon