وهذه وتلك قراءة منكرة بالاتفاق، فليست من السبع، ولا الأربع عشرة، ولو كان مجرد الخط والرسم كافيا لاعتمدت.
وعلى مثل هذه القراءات المنكرة اعتمد جولد زيهر في الاستدلال على قضيته الباطلة، ودعواه الخبيثة ضد القرآن الكريم.
ثالثا: لقد ثبت بالتاريخ الصحيح أننا لا نزال نرى الكثير من المقرئين حتى يومنا هذا، يعطون تلاميذهم بعد أن يتموا حفظه على أيديهم إجازة تتضمن سند التلقي المتصل عنهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأن كثيرا من الأسانيد الصحيحة المتصلة مدونة محفوظة في كتب القراءات، فما ينكر هذا إلّا جاهل أو مكابر.
كذلك إذا نظرنا إلى الأمصار الإسلامية وجدنا أن كل مصر التزم قراءة قارئ بعينه، مع احتمال رسم المصحف لهذه القراءة، وأن القرّاء انتشروا في هذه الأمصار ليعلموا الناس قراءة القرآن إيمانا منهم بأن رسم المصحف وحده لا يعني شيئا في مجال القراءة، وبخاصة أنه مجرد من النقط والشكل.
يقول الشيخ الزرقاني: «لذلك اختار عثمان حفاظا يثق بهم، وأنفذهم إلى الأقطار الإسلامية، واعتبر هذه المصاحف أصولا ثواني، مبالغة في الأمر، وتوثيقا في القرآن، ولجمع كلمة المسلمين، فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه، مع من يوافق قراءته في الأكثر الأغلب، روي أن عثمان- رضي الله عنه- أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن أبي شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري (١).
فلو كان الاعتماد على المصحف، لما كلف أمير المؤمنين نفسه بإرسال أولئك القراء إلى تلك الأمصار، وملاحظة أن اختيار القارئ كان موافقا لرسم المصحف المرسل إلى ذلك البلد، وهذا يؤكد أن دعامة القرآن هي التلقي والرواية.
وإذا كان للمستشرقين عذرهم في تعصبهم للباطل وحقدهم الدفين ضد الإسلام ومبادئه، فما عذر من جاراهم من المسلمين وقال: بأن القراءات القرآنية منشؤها