والذي لا شك فيه بل المجمع عليه، هو صحة السند، بل أرى أنه الركن الوحيد الذي ينبغي أن يقتصر عليه، والذي أعنيه بصحة السند ليس مجرد الصحة، بل التواتر، ذلك لأن القرآن كله متواتر، لا يشك في ذلك مسلم من المسلمين، وقراءته يتعبد بتلاوتها المؤمنون، وقراءاته المختلفة لا ضير بالاكتفاء ببعضها، لأنها كلها قرآن، فأرجلكم من قوله تعالى:.. وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ.. [المائدة: ٦] قرآن.
وأرجلكم بالكسر في الموضع نفسه قرآن، ومالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إن قرأت بهذه القراءة قرآن، وملك يوم الدّين قرآن، إن شئت قرأت بهذه أو بتلك. فالقراءة قرآن يتعبد بتلاوتها فلا بد من تواترها لإثبات قرآنيتها.
أما القراءة التي لم تتواتر سندا فلا تعتبر قرآنا مهما أضفت إليها من معايير وشروط، وقد أخطأ من حكم بقرآنيتها إذا وافقت الرسم ووافقت اللغة، وأنزلها منزلة المتواتر في السند.
إن التواتر لا يكون إلّا بالسند الذي يرويه جمع عن جمع... إلخ إذا وضح عندنا صحة اعتبار تواتر السند، فلا ضير علينا في الركنين الأخيرين، لأنه لم يثبت لدينا أن قراءة من القراءات المتواترة قد خالفت الرسم القرآني، أو خالفت العربية.
ودع عنك ما يقال إن بعض القراءات القرآنية المتواترة قد خالفت العربية، كما زعموا في قوله تعالى:.. وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ.. [النساء: ١].
والأرحام بالكسر أو قراءة فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ [البقرة: ٥٤] بالتسكين مخففة فإن كلام النحاة الذين خالفوا كلام القراء لا يستند إلى دليل.
أعود لأقول: إن شرط القراءة أو ركنها الوحيد هو صحة السند وتواتره، ولا ثاني له والله أعلم.
يقول الأستاذ سعيد الأفغاني: (والشرط الأساسي- كما يظهر للمتأمل- هو الأول، أي: صحة السند، أما الثاني والثالث فالغالب أنهما أضيفا ليتكون من الثلاثة ما ينطبق تمام المطابقة على القراءات العشر المعروفة) (١) ثم أضاف: «إن أول وأشهر