يقرأ بما روي له عن الصحابة في بلده، فيختلف الشامي مع العراقي، والمكي مع المدني، وأظهر بعضهم تكفير بعض، والبراءة منه، وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم، فلما قدم المدينة- فيما ذكر البخاري والترمذي- دخل حذيفة على عثمان قبل أن يدخل إلى بيته، فقال: «أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك» (١) وفي هذا خير بيان للباعث على الجمع أو النسخ بتعبير أدق.
ما يستفاد من هذه الرواية:
٢ - أن عثمان بن عفان قد جعل على رأس القائمين على الجمع زيد بن ثابت، وهو من كتبة الوحي للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي قام بالجمع في عهد أبي بكر، وبخبرته وعدالته وعقله كما وصفه أبو بكر (إنك شابّ عاقل لا نتهمك) بكل هذا أصبح موضعا للثقة، فولاه عثمان الأمر، ولكنه أمر الكتبة إذا اختلفوا في كتابة كلمة أن يكتبوها بلغة قريش كما في كلمة (التابوت والتابوه) (٢).
٣ - أن هذه الرواية مطلقة لم تحدد عدد المصاحف، وهناك رواية حددتها بسبعة، وقيل: أربعة، قال القرطبي: وهو الأكثر (٣)، ولكن هذا القول يعوزه الدليل وإن ذهب إليه الأكثر، والحديث الذي سقناه سابقا هو أصح ما في هذا الباب، وقد جاء فيه النص هكذا: (فأرسل إلى كل أفق بمصحف) ولا شك أنه أرسل هذه المصاحف لرفع الخلاف في كل أفق. والآفاق المعروفة آنذاك: المدينة التي استبقى فيها نسخة، ومكة والكوفة والبصرة والشام واليمن والبحرين، فهذه آفاق لا شك أنه نال كل أفق منها نسخة، لذا نميل إلى هذا الرأي الصحيح في سنده، والذي يتفق مع المنطق السليم، لأن القضاء على الاختلاف لا يتم إلا بإرسال مصحف إلى كل مصر من الأمصار.
ولا شك أن المصاحف التي أرسلها نسخة عن الأصل، فهي نقل لعين ما نقل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما هو.
(٢) المرجع السابق ١/ ٥٤.
(٣) المرجع السابق ١/ ٥٤.