٢ - ولأن القرآن بلفظه ومعناه من الله فقد وقع به التحدي والإعجاز، أما الحديث القدسيّ فلم يقع به التحدي، فهو في ذلك كالحديث النبويّ سواء بسواء.
٣ - أن القرآن متعبد بتلاوته فتالي القرآن مثاب على تلاوته عموما، وتلاوته في الصلاة ركن من أركانها فلا تتم الصلاة بغيره: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل: ٢٠].
وهذا بخلاف الحديث القدسي فإنه كالحديث النبويّ لو قرئ في الصلاة بطلت.
٤ - كلّ آي القرآن الكريم- آية آية- متواترة، والأحاديث القدسيّة كالأحاديث النبويّة فيها القطعيّ الثبوت (١) وأكثرها ظنيّ في ثبوته.
بعد كلّ هذا لا يخطرنّ على بالك، أو يدور في خلدك أن الحديث القدسي كالقرآن الكريم؛ لقول الراوي: قال صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربه، أو روى الرسول عن ربه عز وجل، فإن هذه الشبهة مردودة وباطلة، وما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا إلّا ضرب من ضروب الأساليب العربية الشائعة الذائعة المستعملة في لسان العرب حين يقولون:
كقول الشاعر في قصيدته كذا وكذا، ثم لا يذكرون بيت الشعر لفظا بل يوردون معانيه من غير مراعاة لحرفية الألفاظ ولا الأوزان والقوافي الشعرية، بل إن في القرآن الكريم خير شاهد على ما نقول، فقد قصّ الله عز وجل قصص الأنبياء وجدالهم مع قومهم، ولم يذكر عين ألفاظهم التي استعملوها، بل ذكر مضامينها ومعانيها، مصورا لنا مواقفهم بأفصح الألفاظ وأنصح البيان، قال تعالى في سورة نوح عليه السلام:
قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً ٥ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً ٦ وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً ٧ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ٨ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً ٩ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً ١٠ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً [نوح: ٥ - ١١].