وذهب آخرون إلى أن معنى التفسير يخالف معنى التأويل في وجه من الوجوه.
قال النيسابوري: قد نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه، فهؤلاء يرون أن التفسير يتعلق بما حول النصّ، وما يتبادر إلى الذهن لأول نظرة، أما التأويل فإنه الوصول إلى أعماق النصّ، وهو صرف اللفظ إلى ما يمكن أن يتحمله من معنى، وهناك تعريفات في التفسير والتأويل والفرق بينهما، وقد أطال في ذكرها الأستاذ الذهبي- رحمه الله- وخلص من جميع التعريفات إلى الترجيح فقال: والذي تميل إليه النفس من هذه الأقوال هو أن التفسير «ما كان راجعا إلى الرواية»، والتأويل: «ما كان راجعا إلى الدراية»، وذلك لأن التفسير معناه الكشف والبيان. والكشف عن مراد الله تعالى لا نجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي، وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم.
وأما التأويل: فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل.
والترجيح يعتمد على الاجتهاد، ويتوصل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب، واستعمالها بحسب السياق ومعرفة الأساليب العربية، واستنباط المعاني، وغير ذلك.
قال الزركشي: (وكان السبب في اصطلاح كثير على التفرقة بين التفسير والتأويل، التمييز بين المنقول والمستنبط؛ ليحيل على الاعتماد في المنقول، وعلى النظر في المستنبط) (١).
هذا هو ترجيح أستاذنا الذهبي، وهو ترجيح لم يحالفه الصواب كما يقول الأستاذ الدكتور إبراهيم خليفة: (ما قاله الشيخ- رحمه الله- سواء في التفسير وفي التأويل جميعا غير متجه عندنا، أما التفسير فحتى لو سلمنا له قضية اشتراط الجزم في الكشف عن مراد الله تعالى، فإن ذلك لا يتوقف على كونه من طريق الرواية، بل يمكن أن يتحقق الجزم كذلك من قطع العقل بتعين المعنى، واستحالة إرادة غيره من الكلمة أو الجملة القرآنية، كما في قوله تعالى مثلا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١].